قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ ﴾ ؛ أي ما مِنْ دابَّة تدبُّ وتتحرَّك على وجهِ الأرض، وَلا طَائِرٍ يُطِيرُ بجَنَاحَيْهِ في الْهَوَاءِ، إلا أُمَمٌ أمْثَالُكُمْ، في الفقرِ والفَاقَةِ والحاجة إلى مُدَبرٍ يدبرهم في أغذِيَتهم وأكنَّتهم وهدايتهم إلى مراشِدهم ومصالحِهم.
وقيل : معناهُ : إلا أممٌ أمثالُكم في الْخَلْقِ والرزقِ والموت البعثِ ؛ لأنهُ قال :﴿ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ﴾[الأنعام : ٣٦] فيكونُ معناه :﴿ وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ ﴾ في أنَّ الله يُمِيْتُهَا ويَبْعَثُهَا للجزاء. وقيلَ : معناهُ :﴿ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ ﴾ يَفْقَهُ بعضُه عن بعضٍ، كما يفقهُ بعضكم عن بعضٍ.
وذِكْرُ الجناحين في الآية على جهةِ التَّأكيد ؛ لأنه يقالُ : طَارَ فلانٌ في الأمرِ ؛ أي أَسْرَعَ، وفلانٌ طُيْرٌ من الطُّيور ؛ لسرعتهِ في الأمور. وقيل : ذِكْرُ الجناحين في الآيةِ لبيان أنَّ المرادَ به الطيرُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ﴾ ؛ معناهُ : ما تركنا في اللَّوح المحفوظِ شيئاً إلا كَتَبْنَاهُ فيه. ويقالُ : ما تركنا بيانَ شيءٍ فِي الْقُرْآنِ فيما يَحتاجون إليه من أحكام الدِّين والدُّنيا، بل قدْ بَيَّنَّا في الكتاب كلَّ شيء إما مُفَصَّلاً أو مُجْمَلاً، أما الْمُفَصَّلَ كقولهِ تعالى :﴿ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ ﴾[المائدة : ٤٥] وأما الْمُجْمَلُ كقوله :﴿ وَمَآ آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُواْ ﴾[الحشر : ٧].
وقوله تعالى :﴿ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ﴾ ؛ معناهُ : أنَّ الطيورَ والدوابَّ يجمعون مع سَائِرِ الْخَلْقِ يومَ القيامةِ للحساب والجزاء، كما روي في الخبر عن رَسولِ الله ﷺ أنَّهُ قَالَ :" إنَّ اللهَ تََعَالَى يَحْشُرُ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؛ وَالْبَهَائِمَ وَالدَّوَابَّ والطَّيْرَ وَكُلَّ شَيْءٍ ؛ فَيَبْلُغُ مِنْ عَدْلِ اللهِ تَعَالَى يَوْمَئِذٍ أنْ يَأْخُذ لِلْجَمَّاءِ مِنَ الْقَرْنَاءِ، فَإذا مُيِّزَ بَيْنَ أَهْلِ الْجَنَِّةِ وَالنَّار ؛ قَالَ لِلْبَهَائِمِ وَالْوُحُوش وَالطُّيُور : كُونُوا تُرَباً تَسْتَوِي بكُمُ الأَرْضُ، فَتكُونُ تُرَِاباً، فَعِنْدَ ذلِكَ يَتَمَنَّى الْكَافِرُ فَيَقُولُ : يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً ".
والمرادُ بهذا الإفناءِ للبهائمِ بعد أنْ أحياهَا أنهُ إفناءٌ لا يكون فيه ألَمُ.