قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ ؛ أي فلمَّا تَرَكُوا ما وُعِظُواْ به وأُمروا به ﴿ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ مِمَّا كان مُغْلَقاً عليهم من الخيرِ والرِّزق والخصب والمطر. وأخْصَبَتْ بلادُهم وَكَثُرَ خيرُهم، ﴿ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ ﴾ ؛ أُعْجِبُوا ؛ ﴿ بِمَآ أُوتُواْ ﴾ ؛ أي بما أُعطوا مِنَ النِّعَمِ والسِّعةِ وَالصِّحَّةِ ؛ ﴿ أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً ﴾ ؛ أي فَجْأَةً بالعذاب بعد أن ابتليناهُم في النعمةِ والشدَّة ؛ فلم يزدادوا إلا كُفراً، ﴿ فَإِذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ ﴾ ؛ أي فإِذا هم عندَ نزول العذاب بهم آيسُونَ من كلِّ خير ؛ متحسِّرون غايةَ الحسرَةِ. وَالْمُبْلِسُ : الْبَائِسُ الْحَزِِيْنُ الشَّدِيْدُ الْحَسْرَةِ، ويقالُ : هو المنقطعُ عن الحجَّةِ.
فإن قيل : لِمَ أنعمَ الله عليهم حين نَسَوا ما ذُكِّرُوا به ؛ وهذا موضعُ العقوبة دون الإنعامِ ؟ قيل فيه قولان : أحدُهما : أنه أنعمَ عليهم بالدعاءِ لَهم إلى الطاعة، فإن الدعاءَ إلى الطاعة تارةً يكونُ بالعنف والتشديد، وتارةً باللِّين والإنعامِ.
والثانِي : أنه إنَّما فعلَ ذلك بهم ؛ لأنَّ من يُنْقَلُ من النعمةِ والراحة إلى العذاب يُجْمَعُ عليه العذابُ والحسرةُ على ما فَاتَهُ ؛ فيكون ذلك أشدَّ عليه ممن ينقلُ من الشدَّة إلى العذاب.