قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَكَذالِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِّيَقُولواْ أَهَـاؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَآ ﴾ ؛ قال ابنُ عَبَّاس : معناه :(وَكَذِلكَ ابْتَلَيْنَا (بَعْضَهُمْ ببَعْضِ) : الْعَرَبِيَّ بالْمَوَالِي ؛ وَالْغَنِيَّ بالْفَقِيْرِ ؛ وَالشَّرِيْفَ بالْوَضِيْعِ ؛ لِيَقُولَ الأَغْنِيَاءُ وَالأَشْرَافُ مِثْلُ عُيَيْنَةَ بْنِ حُصَيْنٍ الَّذِي دَخَلَ عَلَى النَّبيِّ ﷺ وَقَالَ لَهُ : لَوْ طَرَدْتَ هَؤُلاَءِ السَّفَلَةَ، وَمِثْلَ أَصْحَابِهِ ؛ كَانُواْ يَقُولُونَ : هَؤُلاَءِ - يَعْنُونَ سَلْمَانَ وَأصْحَابَهُ - مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ بالْمَغْفِرَةِ وَالإِسْلاَمِ مِنْ بَيْنِنَا). وقال الكلبيُّ :(هُوَ أنَّ الشَّرِيْفَ إذا نَظَرَ إلَى الوَضِيْعِ قَدْ أَسْلَمَ قَبْلَهُ اسْتَنْكَفَ أنْ يُسْلِمَ، وَقَالَ : قَدْ سَبَقَنِي هَذا بالإسْلاَمِ ؛ فَلاَ يُسْلِمُ).
ومعنى (اللام) في قوله :(لِيَقُولُوا) لامُ العاقبة ؛ ومعناهُ : ليكونَ عاقبةُ أمرهِما ؛ قال الأغنياءُ والأشراف : أهؤلاءِ المستضعفونَ فضَّلهم اللهُ علينا. ونظيرُ هذه اللاَّم في هذهِ الآية قَوْلَهُ تَعَالَى :﴿ فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً ﴾[القصص : ٨]، ومعلومٌ أنُّهم لم يلتقطوهُ لأجلِ أن يكون لَهم عدوّاً وحَزَناً، ولكن عاقبةُ التقاطِهم إياه أنْ صارَ لَهم عدُوّاً وحَزَناً.
وقال بعضُهم : اللامُ في قوله :(لِيَقُولُوا) معناها الاستفهامُ ؛ أي ليقولَ بعضُهم لبعضٍ استفهاماً لا إنْكاراً : أهَؤُلاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا بالإيْمانِ.
والفائدةُ في ذلك أن الأغنياءَ كانوا شاكِّين في أن سَبْقَ الفقراءِ إلى الإِيْمان وصبرِهم على طريقةِ الدِّين ؛ هل يوجبُ أن تكونَ نعمةً من الله عظيمة عليهم، فأمرَهُم اللهُ تعالى أن يَسْتَفْهِمُوا من الرسولِ ﷺ ما لأجلهِ يقومُ الفقراء بحضرةِ الرسُول ﷺ واستحقُّوا الإعظامَ، فيظهرُ عند الاستفهامِ جوابُ النبِيُّ ﷺ، ويكون في سَماعهِم لذلكَ مصلحةٌ عظيمة توجبُ رضَاهُم بتقديمِ النبِيِّ ﷺ أهلَ الدين. قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ ﴾ ؛ استفهامٌ بمعنى التحقيقِ على معنى أنَّ اللهَ أعلمُ بمن هو من أهلِ التوحيد والثَّواب.


الصفحة التالية
Icon