وقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ :﴿ قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبْتُم بِهِ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ ﴾ ؛ أي قُلْ يا مُحَمَّد : إنِّي على بَصِيْرَةٍ وبيانٍ مِن أمرِ ربي ؛ لاَ مُتَّبعٌ للهَوى، ﴿ وَكَذَّبْتُم بِهِ ﴾ أي بالبيانِ، وإنَّما ذكَرَ الكنايةَ لأن البيِّنةَ والبيانَ بمعنى واحدٍ. ويجوزُ أن يكون معناهُ : وكذبتُم بما آتيتُكم به ؛ وهو الْقُرآنُ. ومعنى البيِّنةِ : الدلالةُ بينَ الحقِّ والباطلِ.
قَوْلَهُ تَعَالَى :﴿ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ ﴾ رُوي : أنَّ رؤساءَ قريشٍ كانوا يستعجلونَ العذابَ، حتى قامَ النضرُ بن الحارثِ في الحَطِيْمِ وقالَ : اللَّهُمَّ إنْ كان ما يقولُ مُحَمَّدٌ حقّاً فَأْتِنَا بالْعَذاب، فَنَزلت هذه الآيةُ.
وقيل : معناه :﴿ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ ﴾ من الآياتِ التي تقترحونَها. قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ ﴾ ؛ أي ما القضاءُ وتنْزيل الآياتِ إلاَّ لله، ﴿ يَقُصُّ الْحَقَّ ﴾ ؛ أي يَحْكُمُ بالعدل ويقضي القضاءَ الحقَّ، ﴿ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ ﴾ ؛ أي أعدلُ الْفَاصِلِيْنَ.
ومن قرأ (يُقِِضُّ الْحَقَّ) بالضادِ المشدَّدة، فمعناهُ : يُبَيِّنُ ويَأْمُرُ به، ومن قرأ (يَقْضِي) أي يَحْكُمُ. وقرأ ابن عبَّاس :(يَقْضِي بالْحَقِّ). وأما سقوطُ الياءِ في قراءة من قرأ (يَقُضِّ) فإِنَّها سقطت في الخطِّ لالتقاء السَّاكنَين، كما في قولهِ تعالى :﴿ سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ ﴾[العلق : ١٨]﴿ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ ﴾[القمر : ٦]. وفي جميعِ المصاحف :(يَقْضِ) بغيرِ ياءٍ.


الصفحة التالية
Icon