قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ :﴿ وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِالَّيلِ ﴾ ؛ معناه : هو الذي يقبضُكم عن التصرُّفِ بالنوم وما تصيرونَ في منامكم بالليلِ في قبضتهِ لا تَمْلكون لأنفسِكُم تصريفاً في أموركم.
والتَّوفِّي في اللغة : هُوَ الْقَبْضُ ؛ إلاَّ أن روحَ النائمِ لا تصيرُ مقبوضةً في حال نومه على جهةِ الحقيقة ؛ لأن النائمَ يستمدُّ من الهواءِ على حسب ما يفعلهُ المنتبهُ، ولكنَّ الله يحدثُ في حال النوم من بدنِ النائم ضرباً من الاسترخاءِ في إغماءٍ منه، إمَّّا بسلب عقله، أو بإِحداثِ فعلٍ في البدن يكونُ ذلك الفعل سبباً لراحةِ البدن، كما قال تعالى :﴿ وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً ﴾[النبأ : ٩] فلما صارَ النائمُ كالميتِ في أنه لا يعقلُ وفي أن تصرفَه لا يقع على تَمييز ؛ شُبهَ بالميتِ من حيث التوفِّي على هذا الوجه، كما وردَ عن رسول الله ﷺ أنه قالَ :" النَّوْمُ أخُو الْمَوْتِ، وَأهْلُ الْجَنَّةِ لاَ يَمُوتُونَ وَلاَ يَنَامُونَ " وعلى هذا الوجهِ يتأوَّل قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِـهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِـهَا ﴾[الزمر : ٤٢] إلى آخر الآية.
وذهبَ بعضُهم إلى أن الروحَ تخرجُ من البدن في المنامِ، ولكن لا تنقطعُ حركة النائمِ ؛ لأن نظرَ الروحِ لم ينقطع عن البدن ؛ إذ هو على العَوْدِ في كلِّ وقتٍ وفي كل ساعةٍ ؛ وقال : لا يخرجُ منه الروحُ، وإنَّما يخرج منه الذهن.
قَوْلَهُ تَعَالىَ :﴿ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ﴾ ؛ أي كسبتُم من الخيرِ والشرِّ بالنهار، يقالُ : جَرَحَ وَاجْتَرَحَ ؛ بمعنى كَسَبَ وَاكْتسَبَ، وأصلُ الاجْتِرَاحِ : عَمَلُ الْجَوَارِحِ. قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ ﴾ ؛ أي يُنَبهُكُمْ من نومِكم في النهار على علمٍ منه بما اجترحتُم من قبلُ وما تجترحون من بعدُ، ﴿ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُّسَمًّى ﴾ أي لتبلغُوا الوقتَ المقدور الذي قدَّرهُ الله بحَيَوِيَّتِكُمْ ؛ فتنقطعُ أرزاقكُم وأعمالُكم التي تعملونَ في الدُّنيا من خيرٍ أو شرٍّ.
قَوْلَهُ تَعَالَى :﴿ ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ﴾ ؛ أي ثم إلى اللهِ مصيرُكم ومتقلَّبُكم بعدَ الموتِ، ﴿ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ ؛ أي ثم يُخْبرُكُمْ في الآخرةِ بما كنتم تعملون في الدُّنيا ؛ فيجازي كلَّ عاملٍ ما عَمِلَ.