قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ ؛ أي قال إبليسُ حين خَشِيَ أن يُعَاجِلَهُ اللهُ بالعقوبة : أمْهِلْنِي وأخِّرْ جزائي إلى يومِ يُبْعَثُونَ مِن قبورهم ؛ وهيَ النفخَةُ الأخيرةُ عندَ قيامِ السَّاعةِ. أرادَ الخبيثُ أن لا يذوقَ الموتَ. ﴿ قَالَ ﴾ ؛ اللهُ تَعَالَى :﴿ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ ﴾ ؛ أي المؤخَّرين المؤجَّلين إلى يومِ الوقت المعلوم ؛ وهي النفخةُ الأُولى عند موتِ الْخَلْقِ كلِّهم.
وهذا ليسَ بإجابةٍ إلى ما سأَلَ ؛ لأنه سَأَلَ اللهَ الإمهالَ إلى النفخةِ الثانية، فأبَى اللهُ أن يُعْطِيَهُ ذلكَ، ﴿ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ ﴾[الحجر : ٣٧-٣٨] يعني إلى النفخةِ الأُولى يَموتُ حينئذٍ أهلُ السَّمواتِ والأَرضِ، ويَموتُ إبليسُ معهم. وبين النفخةِ الأُولى والثانيةِ أربعينَ سنةً.
واختلفُوا في أنَّ اللهَ تعالى هل يُجِيْبُ دعوةَ الكافرِ أم لا ؟ قال بعضُهم : لا يجيبُ ؛ لأنَّ إجابةَ الدُّعَاءِ تكون تَعْظِيماً للدَّاعِي ؛ ولِهذا يرجُو الإنسانُ أنه مُجَابُ الدَّعوةِ، ولا يُحْسَنُ مِن اللهِ تعالى أن يُعْلِمَ أحداً مدَّةَ حياتهِ لِمَا في ذلك من الإغراءِ بالمعَاصِي. كيفَ يجوزُ، يُجِيْبَ اللهُ تعالى إبليسَ إلى مَا سألَ، ولم يكن سُؤَالُهُ على جهةِ التَّضَرُّعِ والْخُشُوعِ والرَّغبةِ إلى اللهِ، وإنَّما سألَ لِيُغْوِي الناسَ ويُضِلَّهُمْ. وقال بعضُهم : يجوزُ إجابةُ دعاءِ الكافر استدراجاً واسْتِضْلاَلاً لهُ ولغيرهِ، ولا تكونُ إجابةُ الكافرِ تعظيماً له بحَالٍ أبَداً.