قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَيَآءَادَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ ﴾ ؛ أي اسْكُنْ أنتَ وزوجَتُكَ الجنَّةَ ؛ لأن الإضافةَ إليه دليلٌ على ذلكَ، وحذفُ التاءِ أحسنُ ؛ لِما فيه من الإيجاز من غيرِ إخلالٍ بالمعنى. وأمَّّا الجنَّةُ التي أسْكَنَهُمَا اللهُ فيها ؛ فهي جَنَّةُ الْخُلْدِ في أكثرِ أقوال أهلِ العلم، بخلاف ما يقولهُ بعضُهم : إنَّهَا كَانَتْ بُسْتاناً في السَّماءِ غيرَ جنَّةِ الْخُلْدِ. وذلكَ أنَّ اللهَ تعالى عَرَّفَ الجنَّةَ بالألفِ واللام على جهةِ التَّشريفِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا ﴾ ؛ أي مِن أيِّ شيءٍ شِئْتُمَا مُوسِعاً عليكُما، ﴿ وَلاَ تَقْرَبَا هَـاذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ ؛ يجوزُ أن يكونَ منصوباً ؛ لأنَّهُ جوابُ النَّهِيِ، ويجوزُ أن يكون مَجْزُوماً عَطْفاً على النَّهيِ، ومعناهُ : فتكونا من الضَّارِّيْنَ أنفُسَكما.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـاذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ ﴾ ؛ أي زَيَّنَ لَهم الشيطانُ الأكلَ من الشجرةِ ؛ لِيُظْهِرَ لَهما ما سُتِرَ من عَوْراتِهما. وَالْوَسْوَسَةُ : إلْقَاءُ الْمَعْنَى إلَى النَّفْسِ بصَوْتٍ خَفِيٍّ. والفرقُ بينَ وَسْوَسَ لهُ وَوَسْوَسَ إليهِ : أنَّ معنى وَسْوَسَ لَهُ : أوْهَمَهُ، ومعنى وَسْوَسَ إليهِ : ألْقَى إلَيْهِ.
وإنَّما سُميت العورةُ سَوْأةً، لأنه يَسُوءُ الإِنسانَ انكِشَافُها. قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ ﴾ قرأ بعضُهم :(مَلِكَيْنِ) بكسرِ اللاَّم، ومعناهُ : إلاَّ أنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ تَعْلَمَانِ الخيرَ والشَرَّ، وإن لم تكونَا ملَكين تَكُونَا مِنْ الْخَالِدِينَ لا تَموتان.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ ﴾ ؛ أي لا تَموتان فَتَفْنَيَانِ أبَداً، فذلك قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ ياآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ ﴾[طه : ١٢٠] أي على شَجَرَةٍ مَن أكلَ منها لَمْ يَمُتْ. وقَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَى ﴾[طه : ١٢٠] أي جديدٌ لا يَفْنَى. وعلى قراءةِ مَنْ قرأ (مَلِكَيْنِ) بكسرِ اللاَّمِ استدلالاً لهُ بقولهِ تعالى :﴿ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَى ﴾[طه : ١٢٠].
قِيْلَ : كيفَ أوهَمَهُما أنَّهما إذا أكَلاَ من تلكَ الشجرةِ تغيَّرت صورتُهما إلى صورةِ الْمَلَكِ، أو يزدادُ في حياتِهما ؟ قِيْلَ : أوْهَمَهُمَا أنَّ من حكمةِ الله أن مَن أكَلَ منها صارَ مَلَكاً أو ليزيدَ حياتَهُ. وقِيْلَ : إنَّهُ لم يُطْمِعْهُمَا في أن تصيرَ صورتُهما كصورةِ الْمَلَكِ، وإنَّما أطْمَعْهُمَا في أن تصيرَ مَنْزِلَتُهُمَا مَنْزِلَةَ الْمَلَكِ في العُلُوِّ والرِّفْعَةِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَقَاسَمَهُمَآ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ ﴾ ؛ أي حَلَفَ لَهُمَا إنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ فيما أقولُ. وإنَّما قال :﴿ وَقَاسَمَهُمَآ ﴾ على لفظ المُفَاعَلَةِ ؛ لأنهُ قَابَلَهُمَا بالحلفِ، وهذا كما يقالُ : عَاقَبْتُ اللِّصَّ ؛ ونَاوَلْتُ الرَّجُلَ.
قال قتادةُ :(حَلَفَ لَهُمَا حَتَّى خَدَعَهُمَا، وَقَدْ يُخْدَعُ الْمُؤْمِنُ باللهِ تَعَالَى، وَقَالَ لَهُمَا : إنِّي خُلِقْتُ قَبْلَكُمَا، وَأَنَا أعْلَمُ مِنْكُمَا، فَاتَّبعَانِي أُرْشِدْكُمَا). وكان بعضُ العلماءِ يقولُ :(مَنْ خَادَعَنَا باللهِ خَدَعَنَا). وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم :


الصفحة التالية
Icon