قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُواْ مَآ أَغْنَى عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ ﴾ ؛ قال ابنُ عبَّاس :(إنَّ أصْحَابَ الأَعْرَافِ يُنَادُونَ الْكِبَارَ مِنَ الْكُفَّار الَّذِينَ كَانُوا عُظَمَاءً فِي الْكُفْرِ كَالْوَلِيْدِ بْنِ الْمُغِيْرَةِ وَأبِي جَهْلٍ وَسَائِرِ رُؤَسَائِهِمْ). يَعْرِفُونَهُمْ بسِيمَاهُمْ يُنَادُونَهُمْ وَهُمْ عَلَى السُّور : يَا وَلِيْدَ ابْنَ الْمُغِيْرَةِ! يَا أَبَا جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ! يَا فُلاَنَ ابْنِ فُلاَنٍ ؛ مَا أغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْمَالِ وَالْوَلَدِ، وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبرُونَ ؛ أي تَتَعَظَّمُونَ عنِ الإيْمأن باللهِ عَزَّوَجَلَّ.
ثم ينظرونَ إلى الجنَّةِ ؛ فَيَرَوْنَ فيها الضعفاءَ والمساكين مِمَّنْ كان يَسْتَهْزِئُ بهم كفارُ مكَّةَ ؛ مثل صُهَيْبٍ وَخَبَّاب وَعَمَّار وسَلْمَانَ وبلاَلٍ وأشبهاهِهم، فينادَون :﴿ أَهَـؤُلاءِ ﴾ ؛ الضعفاءُ هُمُ، ﴿ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ ﴾ ؛ أي حَلَفْتُمْ أيُّها المشركون وأنتُم في الدُّنيا، ﴿ لاَ يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ﴾ ؛ يا من أقْسَمْتُمْ لا يدخلهم اللهُ الجنَّةَ. قال ابنُ عبَّاس :(فَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى لأَصْحَاب الأَعْرَافِ :﴿ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ ﴾ ).
فإنْ قِيْلَ : كيفَ يصحُّ هذا التأويلُ في الحجاب بينَ الجنَّةِ والنار ؛ ومعلومٌ أنَّ الجنةَ في السَّماءِ والنار في الأرضِ ؟ قِيْلَ : لَمْ يُبَيِّنِ اللهُ حالَ الحجاب بالمذكور في الآية، ولا قَدْرَ المسافةِ، فلاَ يَمتنعُ أن يكون بينَ الجنَّةِ والنار وإنْ بَعْدَتِ المسافةُ.
وقرأ بعضُهم :(وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْثِرُونَ) بالثَّاءِ ؛ أي تجمعونَ المالَ الكثيرَ. وقال مقاتلُ في تفسيرِ هذه الآية :(إذا قَالَ أصْحَابُ الأعْرَافِ لأَصْحَاب النَّار : مَا أغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ. قَالَ لَهُمْ أصْحَابُ النَّار : وَأنْتُمْ مَا أغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ، وَأقْسَمُوا لَتَدْخُلُنَّ النَّارَ مَعَنَا).
فَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى، أوْ تَقُولُ الْمَلاَئِكَةُ لأَهْلِ النَّار : أهَؤُلاءِ الَّذِينَ أقْسَمْتُمْ لاَ يَنَالُهُمْ اللهُ برَحْمَةٍ ؛ أي لا يصيبُهم برحمتهِ. ثم يقالُ لأصحاب الأعرافِ : ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَ أنْتُمْ تَحْزَنُونَ.