قولهُ عَزَّ وَجَلَّ :﴿ فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا ﴾ ؛ أي خَلَّصْنَاهُ من العذاب والذينَ معه بنِعْمَةٍ منَّا عليهم ؛ وأمَرْناهُم بالخروجِ من بَيْنَ الكُفَّار قبلَ إنزالِ العذاب عليهم ؛ ﴿ وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا ﴾ ؛ أي اسْتَأْصَلْنَاهُمْ بالريِّحِ الْعَقِيْمِ، فما بَقِيَ منهم أحدٌ. قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَمَا كَانُواْ مُؤْمِنِينَ ﴾ أي ما أهْلَكَهُمُ اللهُ إلاَّ وكان في عِلْمِهِ أنهُ لو لم يُهْلِكْهُمْ ما كانوا مؤمنينَ.
فصلٌ : وكانت قصة عاد وإهلاكهم على ما ذكره السُّدِّيُّ وغيره من المفسرين :(أنَّ عَاداً كانَ مساكنُهم اليمنَ، وكان مساكنُهم الأسَاف ؛ وهي رمالٌ يقال لَها : رَمْلُ عَالِجٍ وَدَهْمَانَ وَنِيْرَانَ، ما بين عُمَانَ إلى حَضْرَمَوْتَ، وكانوا قد فَشَوا في الأرضضِ. وقَهَرُوا أهلَها بقوَّتِهم التي أعطاهُم اللهُ إيَّاها، وكانوا يعدبونَ الأوثانَ.
فَبَعَثَ اللهُ إليهم هُوداً نَبيّاً عليه السلام مِن أوسَطِهم في النَّسَب، وأفضَلِهم في الْحَسَب، فأمَرَهم أن يُوَحِّدُوا اللهَ ولا يعبدُوا غيرَهُ، وأن يَكُفُّوا عن ظُلْمِ الناسِ، فَأَبُوا عليهِ وكَذبُوهُ وقالوا : مَنْ أشَدُّ مِنَّا قُوَّةً؟! وتَجَبَّروا في الأرضِ وبَطَشُوا بَطْشَةَ الجبَّارينَ، فلما فَعَلُوا ذلك أمْسَكَ اللهُ عنهمُ الْمَطَرَ ثلاَثَ سنين حتى جَهِدَهُمْ ذلك.
وكان الناسُ في ذلكَ الزَّمَانِ إذا أنْزِلَ بهم بَلاَاءٌ وَجَهَدٌ مَضَوا إلى البيتِ الحرام بمَكَّةَ مُسْلِمُهُمْ وكافِرُهم وسألُوا الله الْفَرَجَ، وكلُّ الناس مُسْلِمُهُمْ وكافِرُهم مُعَظّماً لِمَكَّةَ حَرَسَهَا اللهُ، عَارفاً بحُرْمَتِهَا. وكان أهلُ مكَّةَ يومئذ الْعَمَالِيْقَ، أبوهُم عِمْلِيْقُ بْنُ لاَودِ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ، وكان رئيسُ العماليقِ يومئذٍ بمكة رَجُلاً يقال لهُ : مُعَاويَةُ بْنُ بَكْرٍ، وكانت أمُّهُ من عَادٍ.
فلمَّا قُحِطَ المطرُ من عَادٍ وجَهِدُوا ؛ قالوا : جَهِّزُوا منكم وَفْداً إلى مَكَّةَ يَسْتَسْقِي، فَبَعَثُوا قِيلَ بن عنز، ولُقَيمَ بن عزال في سبعينَ رَجُلاً، فلما قَدِمُوا مكةَ نزلوا على مُعَاويَةَ بنِ بكرٍ وهو في خارج مكَّةَ، فأنزلَهم وأكرمَهم، وكانوُا أخوالَهُ وأصهارَهُ، فأقامُوا عندَهُ شَهْراً يشربونَ الْخَمْرَ وتغنِّيهم الْجَرَادَتَانِ ؛ وهما قَينَتان لمعاويةَ.
فلما رأى طُولُ مقامِهم وقد بعثَهُم قومُهم يتَغَوَّثُونَ من البَلاَءِ الذي أصابهم ؛ شُقَّ ذلك عليهِ فقال : إخْوَاني وأصْهَاري وهؤلاءِ مقيمونَ عندِي وهم ضَيْفِي، واللهِ لا أدري ما أصنعُ بهم، أسْتَحِي أن آمُرَهم بالخروجِ إلى حاجحتهم، فَيَظُنُّونَ أن ذلك لضيق مكانِهم عنده، وقد هَلَكَ قومُهم من وارئهم جَهْداً وعَطَشاً، فَشَكا ذلكَ إلى قِينَتَيْهِ الجرادتين ؟ فقالتَا : قُلْ شِعْراً لِنُغَّنِّيْهِمْ بهِ لا يدرونَ مَن قالَهُ، لعلَّ ذلك يُخْرِجُهم. فقالَ : معاويةُ : ألا يا قِيْلَ وَيْحَكَ قُمْ فَهَيْنَمْ لَعَلَّ اللهَ يَسْقِيْنَا غَمَامَافَيَسْقِي أرْضَ عَادٍ إنَّ عَاداً قَدْ أمْسوا لاَ يَبينُونَ الْكَلاَمَامِنْ الْعَطَشِ الشَّدِيْدِ فَلَيْسَ نَرْجُو بهِ الشِّيْخَ الْكَبيْرَ وَلاَ الْغُلاَمَاوَقَدْ كَانَتْ نِسَاؤُهُمْ بخَيْرٍ فَقَدْ أمْسَتْ نِسَاؤُهُمْ أيَامَىوأَنْتُمْ هَا هُنَا فِيْمَا اشْتَهَيْتُمْ نَهَارَكُمْ وَلَيْلَكُمْ التَّمَامَافَقُبحَ وََفْدُكُمْ مِنْ وَفْدِ قَوْمِ وَلاَ لُقُوا التِّحِيَّةَ والسَّلاَمَا