قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ ﴾ ؛ أي وإعلامٌ من اللهِ ورسوله إلى الناسِ يومَ الحجِّ الأكبرِ وهو يومُ النحرِ، كذا روَى ابنُ عبَّاس، وسُمِي يومُ النحرِ يومَ الحجِّ الأكبرِ ؛ لأنه اتَّفقَتْ فيه الأعيادُ على قولِ أهل الْمِلَلِ. وعن النبيِّ ﷺ :" أنَّهُ يَوْمَ عَرَفَةَ "، قال قيسُ ابن مَخْرَمَةَ :" خَطَبَ رَسُولُ اللهِ ﷺ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ فَقَالَ :" أمَّا بَعْدُ ؛ فَإنَّ هَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الأَكْبَرِ ".
ويروى أنَّ عَلِيّاً رضي الله عنه خرجَ يوم النَّحرِ على بلغةٍ بيضاءَ إلى الجبانة، فجاءَهُ رَجُلٌ فأخَذَ بلِجَامِهَا وسَأَلَهُ عن يومِ الحجِّ الأكبرِ، فقال :(هُوَ يَوْمُكَ هَذَا، خَلِّ سَبيلَهُ). وسُئلَ عبدُاللهِ بن أبي أوفَى عن يوم الحجِّ الأكبرِ، فقالَ :(سُبْحَانَ اللهِ! هُوَ يَوْمُ النَّحْرِ يَوْمَ يُهْرَاقُ فِيْهِ الدِّمَاءُ وَنَحْلِقُ فِيْهِ الشَّعْرَ وَيُحَلُّ فِيْهِ الْمُحَرَّمُ).
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَأَذَانٌ ﴾ عطف على قوله :﴿ بَرَآءَةٌ ﴾. قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ ﴾ أي أن اللهَ ورسولهُ برِيءٌ من المشركين، تقديرهُ : أنَّ اللهَ برِيءٌ ورسولهُ أيضاً بَرِيءٌ. ومَن قرأ (وَرَسُولَهُ) بالنصب فعلى معنَى وأن رسولَهُ بريءٌ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ﴾ ؛ أي تبتُم من الشِّرك فهو خيرٌ لكم من الإقامةِ عليه. قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ ﴾ ؛ معناهُ : وإنْ أعرَضتُم، ﴿ فَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي ﴾ ؛ فَائِتِينَ عن ؛ ﴿ اللَّهِ ﴾.
وقولهُ تعالى :﴿ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ ؛ تكرارٌ للوعيدِ، وعن أبي هُريرةَ رضي الله عنه قال :(كُنْتُ مَعَ عَلِيٍّّ رضي الله عنه حِينَ بَعَثَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ بالبَرَاءَةَ إلَى مَكَّةَ) فَقِيلَ لأَبي هُرَيْرَةَ : بمَ إذاً كُنْتُمْ تُنَادُونَ ؟ قََالَ :(كُنَّا نُنَادِي : أنَّهُ لاَ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إلاَّ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَحُجَّنَّ هَذَا الْبَيْتَ بَعْدَ هَذَا الْعَامِ مَشْرِكٌ وَلاَ عُرْيَانٌ، وَمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللهِ ﷺ عَهْدٌ فَأَجَلُهُ إلَى إرْبَعَةِ أشْهُرٍ، فَإذَا مَضَتْ أرْبَعَةُ أشْهُرٍ فَإنَّ الله بَرِيءٌ مِنْ عَهْدِ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ).


الصفحة التالية
Icon