قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ اللَّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً ﴾ ؛ معناهُ إنْ ظنَنتُم أيُّها المؤمنون أن تُتْرَكُوا على الإقرارِ والتصديقِ فلا تُؤمَرُوا بالجهادِ، قوله :﴿ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ ﴾ أي ولَمَّا يرَ اللهُ جهادَكم حين تُجاهدون، ولَمَّا يرَ اللهُ الذين لم يتَّخذوا منكم من الكفارِ بطَانَةً يُفْشُونَ إليهم سِرَّهم وأمْرَهم. وكان اللهُ تعالى قد عَلِمَ أمْرَهم بالقتال، مَن يقاتلُ مِمَّن لا يقاتلُ، ولكنَّهُ يعلمُ ذلك عَياناً، وأرادَ العلمَ الذي يُجازَى عليه وهو علمُ الْمُشَاهَدَةِ ؛ لأنه يُجازيهم على عمَلِهم لا على عِلْمِهِ فيهم.
والوَلِيجَةُ : المدخَلُ في القومِ مِن غيرهم ؛ مِنْ وَلَجَ شَيْء يَلِجُ إذا دَخَلَ. والخطابُ في الآيةِ للمؤمنين حين شَقَّ على بعضِهم القتالُ وَكِرَهُوا، فأنزلَ اللهُ هذه الآية ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ ﴾ فلا تُؤمَروا بالجهادِ وتُمتَحَنُوا به ؛ ليظهَرَ الصادقُ من الكاذب، والمطيعُ من العَاصِي، وقال قتادةُ :(مَعْنَى وَلِيجَةً أيْ خِيَانَةً)، وقال الضَّحاكُ :(خَدِيعَةً)، وقال ابن الأنباريُّ :(الْوَلِيجَةُ : الدَّخِيلَةُ)، وقال عطاءُ :(أولياء)، قال الحسنُ :(كُفْرٌ وَنِفَاقٌ). وَقِيْلَ : الوَلِيجَةُ : الرجلُ من يختص يدخله مودَّةً دون الناسِ، يقالُ : هو وَلِيجَةٌ وهُم وَلِيجَةً، للواحدِ والجمعِ. قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ ؛ أي عالِمٌ بأعمالِكم، وفي هذا تَهديدٌ للمنافقين وعِظَةٌ للمخلصين.


الصفحة التالية
Icon