قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَآءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَآءَ إِنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ ﴾ ؛ نزلَت في المهاجِرين، ومعناه : لا تتَّخِذُوا آباءَكم وإخوانَكم الذين بمكَّة أولياءَ، تُنصَرون بهم وتَنصُرونَهم إنِ اختاروا الكفرَ على لإِيمانِ، ﴿ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَأُوْلَـائِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ ؛ إما جعلَ الظالمينَ لموالاةِ الكفار ؛ لأنَّ الراضي بالكُفرِ يكون كافراً، وعن الضحَّاك :(لَمَّا أمَرَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ بالْهِجْرَةِ وَكَانُواْ قَبْلَ الْفَتْحِ بمَكَّةَ مَنْ آمَنَ وَلَمْ يُهَاجِرْ، لَمْ يَقْبَلِ اللهُ إيْمَانَهُ إلاَّ بمُهَاجَرَةِ الآبَاءِ وَالأَقْرِبَاءِ أيْ بمُجَانَبَتِهِمْ إذَا كَانُوا كُفَّاراً، فَقَالَ الْمُسْلِمُون : يَا رَسُولَ اللهِ! إنْ نَحْنُ اعْتَزَلْنَا مَنْ خَالَفَنَا فِي الدِّينِ، انْقَطَعَ آبَاؤُنَا وَعَشِيرَتُنَا، وَتَذْهَبَ تِجَارَتُنَا وَتخْرَبَ دِيَارُنَا ؟ فَأنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيةِ).
وقال الكلبيُّ :(لَمَّا أمَرَ اللهُ النَّبيَّ ﷺ بالْهِجْرَةِ إلَى الْمَدِينَةِ، جَعَلَ الرَّجُلُ يَقُولُ لأَخِيهِ وَأبيهِ وَامْرَأتِهِ وَأقْرِبَائِهِ : إنَّا قَدْ أُمِرْنَا بالْهِجْرَةِ إلَى الْمَدِينَةِ فَاخْرُجُواْ مَعَنَا إلَيْهَا، فَمِنْهُمْ مَنْ يُعْجِبُهُ ذَلِكَ فَيُنَازِعُ إلَيْهِ مَعَهُمْ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْبَى أنْ يُهَاجِرَ فَيَقُولُ الرَّجُلُ لَهُمْ : وَاللهِ لاَ أنْفَعُكُمْ بشَيْءٍ وَلاَ أُعْطِيكُمْ وَلاَ أُنْفِقُ عَلَيْكُمْ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَتَعَلَّقُ بهِ زَوْجَتُهُ وَوَلَدَهُ وَعِيَالُهُ، فَيَقُولُونَ لَهُ : نُنْشِدُكَ اللهَ أنْ لاَ تُضَيِّعْنَا، فَيَرِقُّ وَيَجْلِسُ وَيَتْرُكُ الْهِجْرَةَ، فَأنْزَلَ اللهُ هَذِه الآيَة ﴿ ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَآءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَآءَ ﴾ أي أصدقاءُ فتُفْشُونَ إليهم سِرَّكُم وتُؤثِرُونَ المقامَ معهم على الهجرةِ والجهاد إن استحَبُّوا الكفرَ على الإيمانِ، ومَن يتوَلَّهم منكم فيُطلِعُهم على عورةِ الإسلام وأهلهِ، ويُؤثِرِ الْمُكْثَ معهم على الهجرةِ، ﴿ فَأُوْلَـائِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ أي القَاضُونَ الواضِعُون الولايةَ في غيرِ موضعِها.