قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي ﴾ ؛ نزلَ في جَدِّ بن قيس من المنافقين، دعاهُ النبيُّ ﷺ إلى الخروجِ إلى العدوِّ وحرَّضَهُ على الجهادِ، فقالَ لِجَدِّ بن قيسٍ :" هَلْ لَكَ فِي جِلاَدِ بَنِي الأَصْفَرِ، فَتَتَّخِذَ منهم سَرَارِي وَوُصَفَاءَ " يعني الرُّوم.
وكان الأصفرُ رجُلاً من الحبشةِ مَلَكَ الرُّوم، وغلبَ على ناحيةٍ منها، فتزوجتِ الحبشةُ من الرُّوم، فولَدَت لهم بنات أخَذْنَ من بياضِ الرُّوم وسوادِ الحبشة، فكُنَّ صُفْراً لُعْساً لم يُرَ مثلُهنَّ، فقال له جدُّ بن قيسٍ : ائْذَنْ لِي يا رسولَ اللهِ أنْ أُقِيمَ، ولا تَفْتِنِّي ببناتِ الأصفر، فقد عرفَ قَومِي عُجْبي بالنساء، وإنِّي أرَى المرأةَ تُعْجِبُني فما أملكُ نفسي حتى أضعَ يدِي على الْمُحَرَّمِ، فلما سمعَ النبيُّ ﷺ قولَهُ عرضَ عنه وقالَ :" إذِنْتُ لَكَ ".
وقولهُ تعالى :﴿ وَلاَ تَفْتِنِّي ﴾ أي ائْذَنْ لي في التخلُّف ولا تَفتِنِّي ببناتِ الأصفرِ، قال قتادةُ :(مَعْنَاهُ وَلاَ تُؤَثِّمْنِي)، وقولهُ تعالى :﴿ أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ ﴾ أي ألاَ في الإثْمِ والشِّركِ وقَعُوا بنفاقِهم ومخالفتهم أمرَكَ في تركِ الجهاد، ﴿ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ ﴾ ؛ أي إنَّهم يدخلون جهنَّم لا محالةَ ؛ لأن الشيءَ إذا كان مُحِيطاً بالإنسانِ فإنه لا يفوتهُ.
روي " أنَّ النبيَّ ﷺ قال :" مَنْ سَيِّدُكُمْ يَا بَنِي سَلَمَةَ ؟ " قَالُوا : جَدُّ بْنُ قَيْسٍ، غَيْرَ أنَّهُ بَخِيلٌ. قَالَ :ﷺ :" وَأيُّ دَاءٍ أدْوَى مِنَ الْبُخْلِ؟! بَلْ سَيِّدُكُمْ الْفَتَى أبْيَضُ الْجَعْدِ بشْرُ ابْنُ الْبَرَاءِ بْنُ مَعْرُورٍ " فَقَالَ فِيْهِ حسَّانُ الشِّعرَ : وقَالَ رَسُولُ اللهِ وَالْحَقُّ قَوْلُهُ لِمَنْ قالَ مِنَّا : مَنْ تَعُدُّونَ سَيِّدَا؟فَقُلْتُ لَهُ : جَدُّ بْنُ قَيْس عَلَى الَّذِي ببُخْلِهِ فِينَا وَإنْ كَانَ أنْكَدَافَقَالَ : وَأيُّ الدَّاءِ أدْوَى مِنَ الَّذِي رَمَيْتُمْ بهِ لَوْ عَلَى بهِ يَدَا؟!وَسُوِّدَ بشْرُ بْنَ الْبَرَاءِ لِجُودِهِ وَحَقُّ لِبشْرِ بْنِ الْبَرَا أنْ يُسَوَّدَاإذَا مَا أتَاهُ الْوَفْدُ أذْهَبَ مَالَهُ وَقَالَ : خُذُوهُ ؛ إنَّنِي عَائِدٌ غَدَا


الصفحة التالية
Icon