قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم ﴾ ؛ الكثيرُ من المفسِّرين على (أنَّ) اخبار مِن المنافقين أنَّهم يحذَرُون أنَّ الله نَزَّلَ عليهم سورةً تُخبرُ عن ما في قلوبهم من النِّفَاقِ والشِّركِ، فإنَّ بعض المنافقين كانوا يَعلَمُونَ نبوَّة النبيِّ ﷺ، ولكنهم كانوا يَكفُرُونَ عند أهلِ الشِّرك عِنَاداً وحَسَداً، وبعضُهم كانوا عندَ أنفُسِهم شَاكِّين غيرَ مُسَتبصِرِينَ، وكانوا يخافون إذا أذنَبُوا ذنباً أنْ يَنْزِلَ على النبيِّ ﷺ من القُرآن ما يكشفُ عن نفاقِهم، وفي الآيةِ ما يدلُّ على هذا وهو قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ ﴾ أي مُظْهِرٌ ما تخافون من ظهور النِّفاقِ، وعن هذا سُمِّيت هذه السورةُ (سُورَةُ الْفَاضِحَةِ) ؛ لأنَّها فضَحَتِ المنافقين، وتُسمَّى أيضاً (الْحَافِرَةُ) ؛ لأنَّها حَفَرَتْ عن قلوب المنافقين.
وقولهُ تعالى :﴿ قُلِ اسْتَهْزِءُواْ إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ ﴾ ؛ تَهديدٌ وإنْ كان لفظُ الأمرِ، كما في قوله :﴿ اعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ ﴾[فصلت : ٤٠]، وذهبَ الزجَّاجُ إلى أنَّ قولَهُ :﴿ يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ ﴾ لفظةُ إخبارٍ ومعناهُ : الأمرُ كلُّه، كأنه قالَ : لِيحْذَرِ، وهذا كما قال :﴿ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ ﴾[البقرة : ٢٢٨].


الصفحة التالية
Icon