قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ﴾ ؛ ولو شاءَ لخلقَها في أقلِّ من لحظةٍ، ولكنَّهُ خلَقَها للترتيب ؛ ليكون حدوثُ شيءٍ بعدَ شيءٍ على الترتيب أبلغَ للملائكةِ في التفكرُّ بها من حُدوثِها كلِّها في حالةٍ واحدة، وقد تقدَّم تفسيرُ الاستواءِ، ودخلت (ثُمَّ) على الاستواءِ وهي في المعنى داخلةٌ على الترتيب، كأنَّهُ قال : ثُمَّ يُدبرُ الأمرَ وهو مستوٍ على العرشِ، فإنَّ تدبيرَ الأمُور كلها يَنْزِلُ من عندِ العرش، ولهذا تُرْفَعُ الأيدِي في قضاءِ الحوائج نحوَ العرشِ. والاستواءُ : الاستيلاءُ، ولم يَزَلِ اللهُ سبحانه مُستَولياً على الأشياءِ كلِّها، إلا أن تخصيصَ العرشِ لتعظيمِ شأنه.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ يُدَبِّرُ الأَمْرَ ﴾ ؛ أي يقضِي القضاءَ إلى الملائكةِ من رسُلهِ ولا يُشرِكُه في تدبيرِ أحدٌ من خلقهِ. وعن عمرِو بن مُرَّة " عن عبدالرحمن بن سابط " قال :" يُدَبرُ أمْرَ الدُّنْيَا بأَمْرِ اللهِ أرْبَعَةٌ : جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ وَمَلَكُ الْمَوْتِ وَإسْرَافِيلُ. أمَّا جِبْرِيلُ فَعَلَى الرِّيَاحِ وَالْجُنُودِ، وَأمَّا مِيكَائِيلُ فَعَلَى الْقَطْرِ وَالنَّبَاتِ، وَأمَّا مَلَكٌ الْمَوْتِ فَوُكَّلَ بقَبْضِ الأَرْوَاحِ، وَأمَّا إسْرَافِيلُ فَهُوَ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ بمَا يُؤْمَرُونَ بهِ ".
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ﴾ جوابُ قولِ الكفَّار أنَّ الأصنامَ شُفعاؤُنا عندَ اللهِ، فبيَّن اللهُ تعالى ما مِن مَلَكٍ مقرَّبٍ، ولا نبيٍّ مُرسَلٍ يشفعُ لأحدٍ إلا مِن بعد أنْ يأذنَ اللهُ لمن يشاء ويرضَى، فكيف تشفعُ الأصنام التي ليس لها عقلٌ وتمييز.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ ذالِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ ﴾ ؛ أي الذي يفعلُ ما هو المذكور في هذه الآيةِ من خَلْقِ السَّموات والأرضِ وتدبير الخلق هو اللهُ خالقكم ورازقُكم، ﴿ فَاعْبُدُوهُ ﴾ ؛ ولا تعبدُوا الأصنامَ فإنَّها لا تستحقُ العبادةَ، وقولهُ تعالى :﴿ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ ﴾ ؛ أي هل تتَّعِظُونَ بالقرآن.


الصفحة التالية
Icon