قَوْلُه تَعَالَى :﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَآءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ﴾ ؛ أي هو الذي جعل الشمسَ ضياءً للعالَمين بالنهارِ، والقمرَ نوراً بالليلِ.
رُوي في الخبرِ : أنَّ وجوهَهما إلى العرشِ وظهُورَهما إلى الأرضِ، يُضيء وجوهَهما لأهلِ السموات السَّبع، وظهورهما لأهلِ الأرضين السبع، كما قال﴿ وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً ﴾[نوح : ١٦].
قْوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَقَدَّرَهُ ﴾ أي قدَّرَ القمرَ منازلَ وهي ثمانٍ وعشرون منْزِلةً في كلِّ شهرٍ. وقيل معناه :﴿ وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ ﴾ لا يجاوِزُها ولا يقصِرُوها، وَِقِيْلَ : جعل (قَدَّرَ) لهما يعدى إلى مفعولين، ويجوز أن يكون المعنى وقدَّرَهما، إلا أنه حذفَ التثنيةَ للاختصار والإيجاز، كما قال تعالى :﴿ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ ﴾[التوبة : ٦٢].
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ ﴾ ؛ أي ما خلقَ اللهُ الشمسَ والقمر، إلا لتعلَمُوا الحسابَ وتعتَبروا بهما، وتستدلُّوا بطلوعِها وغروبها على صانعِهما.
وقوله :﴿ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ﴾ أي لتعلَمُوا بالشمسِ حسابَ السنين وحسابَ الشُّهور والليالي والأيمِ على ما تقدَّمَ أن القمرَ يقطعُ في الشهرِ ما تقطعهُ الشمس في السَّنة، ويعني بقولهِ :﴿ وَالْحِسَابَ ﴾ حسابَ الأشهُرِ والأيام والساعاتِ، وقولهُ تعالى :﴿ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ ﴾ ردَّهُ إلى الفعلِ والخلقِ والتدبيرِ، ولو أرادَ الأعيانَ المذكورة لقال : تِلْكَ إلا بالحقِّ، ثم يخلقهُ باطلاً، بل إظهارُ الصَّنعةِ، ودلالتهُ على قدرتهِ وحكمته.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ ؛ أي نُبَيِّنُ علاماتِ وحدانيَّة اللهِ تعالى بأنه بعدَ آيةٍ ﴿ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ تفصيلَ الآياتِ. قرأ ابن كثير وأبو عمرو وحفص (يُفَصِّلُ) بالياء، واختاره أبو عُبيد وأبو حاتم لقولهِ قبلَهُ ﴿ مَا خَلَقَ ﴾ فيكون متَّبعاً له، وقرأ الباقون بالنُّون على التعظيمِ.