قَوْلُهُ تَعَالىَ :﴿ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ﴾ ؛ أي للَّذين أحسَنُوا العملَ في الدُّنيا لَهم الْحُسنَى وهي الجنةُ ولذاتُها. قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَزِيَادَةٌ ﴾ رُوي عن أبي بكرٍ رضي الله عنه أنه قالَ حين تَلاَ هذه الآية :(أتَدْرُونَ مَا الزِّيَادَةُ ؟ قَالُواْ : مَا هِيَ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللهِ ﷺ ؟ قَالَ : الْحُسْنَى الْجَنَّةُ وَالزِّيَادَةُ النَّظَرُ إلَى وَجْهِ اللهِ تَعَالَى).
وعلى هذا القولِ حذيفةُ وأبو موسى وصُهيب وعبادةُ بن الصَّامت وكعبُ ابن عَجْرَةَ وعامرُ بن سعيد والحسنُ وعكرمة وأبو الجوزَاءِ والضحَّاكُ والسديُّ وعطاء ومقاتل، وهو قولُ أبي بكرٍ الصدِّيق رضي الله عنه يدلُّ عليه قولهُ ﷺ :" إذا دَخَلَ أهْلُ الْجَنَّةِ نُودُوا : أنْ أهْلَ الْجَنَّةِ إنَّ لَكُمْ عِنْدَ اللهِ مَوْعِداً لَمْ تَرَوْهُ، فَيَقُولُونَ : وَمَا هُوَ؟! ألَمْ يُبَيِّضْ وُجُوهَنَا وَيُزَحْزِحْنَا عَنِ النَّار وَيُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ ؟ قَالَ : فَيُكْشَفُ الْحِجَابُ وَيَنْظُرُونَ إلَيْهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَوَاللهِ مَا أعْطَاهُمُ اللهُ شَيْئاً أحَبَّ إليَهِمْ مِنْهُ ".
وقال ابنُ عبَّاس :(لِلَّذِينَ أحْسَنُوا الْحُسْنَى ؛ أيْ لِلَّذِينَ شَهِدُوا أنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ الْجَنَّةَ)، وروى عطيَّة :(أنَّ الْحُسْنُى هِيَ الْوَاحِدَةُ مِنَ الْحَسَنَاتِ بوَاحِدَةٍ، وَالزِّيَادَةُ التَّضْعِيفُ عَشْرُ أمْثَالِهَا إلَى سَبْعمِائَةِ ضِعْفٍ).
وَقِيْلَ : الْحُسْنَى النُّصْرَةُ، وَالزِّيَادَةُ النَّظَرُ، قَالَ اللهُ تَعَالَى :﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾[القيامة : ٢٢-٢٣]، وعن عليٍّ رضي الله عنه قالَ :(الزِّيَادَةُ غُرْفَةٌ مِنْ لُؤْلُؤَةٍ وَاحِدَةٍ، لَهَا أرْبَعَةُ أبْوَابٍ)، ويقالُ : الزيادة رضَا الرب، كما رُوي أنَّ أهلَ الجنَّة يُؤتَونَ بالتُّحَفِ والكراماتِ ويقولُ لَهم رسولُ رب العزَّة (إنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ لَكُمْ : قَدْ رَضِيتُ عَنْكُمْ فَهَلْ رَضِيتُمْ عَنِّي؟).
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ ؛ أي لا يَعلُو وجوهَهم ولا يلحقُها سوادٌ وهو كُسُوفُ الوجهِ (وَذِلَّةٌ) أي ولا هَوَانٌ ولا حَزَنٌ، ولا يكون نعيمُ الجنة كنعيمِ الدُّنيا، ولا يشوبهُ التنغيصُ ولا التنكيد. والرَّهَقُ في اللغة هو الرُّهُوقُ ومنه قولُهم للصبيِّ إذا قاربَ البلوغَ : مُرَاهِقٌ ؛ أي قاربَ أن يبلغَ الاحتلامَ. والْقَتَرُ : غَيْرَةٌ فيها سوادٌ. وقرأ الحسنُ (قَتْرٌ) بإسكانِ التاء، وهما لُغتان. وباقي الآية ظاهرُ المعنى.