قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ ﴾ ؛ أي ويوم يجمَعُهم في الموقف كأنْ لم يلبَثُوا في الدُّنيا إلا قدرَ ساعةٍ من النَّهارِ، وفي هذا بيانُ أنْ الْمُكْثَ في الدُّنيا وإنْ طالَ، كان في جَنْب الآخرةِ بمنْزِلة ساعةٍ من النَّهار. قوله تعالى :﴿ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ ﴾ أي يعرِفُ بضعهُمْ بعضاً، ويكون في معرفةِ بعضِهم لبعضٍ حَسْرَةٌ على مَن ضَلَّ بقيام الحجَّة عليهم.
وقال ابنُ عبَّاس :(وَذلِكَ حِينَ يُخْرَجُونَ مِنْ قُبُورِهمْ ثُمَّ تَنْقَطِعُ الْمَعْرِفَةُ)، وَقِيْلَ : معناهُ : كأَنْ لَم يلبَثُوا في قبُورِهم إلا ساعةً من نَهارِهم، وقال الضحَّاك :(قَصْرَ عِنْدَهُمْ مِقْدَارُ الْوَقْتِ الَّذِي بَيْنَ مَوتِهِمْ وَبَعْثِهِمْ، فَصَارَ كَالسَّاعَةِ مِنَ النَّهَارِ لِهَوْلِ مَا اسْتَقْبَلُوا مِنْ آخِرِ الْبَعْثِ وَالْقِيَامَةِ، يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ بتَوْبيخِ بَعْضِهمْ بَعْضاً، يَقُولُ كُلُّ كَافِرٍ لآخَرَ : أنْتَ أضْلَلْتَنِي يَوْمَ كَذا، وَأنْتَ أوْرَثْتَنِي دُخُولَ النَّارِ بمَا عَلَّمْتَنِي وَزَيَّنْتَهُ لِي). قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَآءِ اللَّهِ ﴾ ؛ أي غُبنَ الذين كذبوا بالبعثِ بعد الموت بذهاب الدُّنيا والآخرة عنهم، ﴿ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ ﴾.