قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُواْ مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ ﴾ ؛ أي وما تكونُ في أمرٍ من الأمُور، وقال الحسنُ :(مِنْ شَأْنِ الدُّنْيَا وَحَوَائِجِكَ فِيهَا، وَمَا تَتْلُوا مِنْهُ، أيْ مِنَ اللهِ نَازلٍ مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ يُوحَى إلَيْكَ مِنْ سُورَةٍ أوْ آيَةٍ تَقْرَأُ عَلَى أُمَّتِكَ).
والخطابُ للنبيِّ ﷺ وأُمَّتُهُ داخلون فيه ؛ لأنَّ خطابَ الرئيس خطابٌ له ولأتباعهِ، يدلُّ على ذلك قولهُ :﴿ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً ﴾ أي ما تعمَلون أنتم جميعاً يا بَنِي آدمَ عامَّة ويا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ من خيرٍ أو شرٍّ، إلاّ كُنَّا على أمرِكم وتِلاوَتِكم وعمَلِكم شُهوداً إذ تدخلون فيه. قال الفرَّاء :(مَعْنَاهُ يَقُولُ : اللهُ تَعَالَى شَاهِدٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ) وَالْمَعْنَى ألاَ يَعْلَمُهُ فَيُجَازِيكُمْ بهِ. والإفَاضَةُ الدخولُ في العملِ، وقال ابنُ الأنباريِّ :(إذ تَنْدَفِعُونَ فِيْهِ) وقال ابنُ عبَّاس :(إذ تَأْخُذُونَ فِيْهِ).
قَوْلُهُ تََعَالَى :﴿ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ ﴾ ؛ أي ما يغيبُ وما يبعُد، ﴿ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ ﴾، من وزنِ نَملَةٍ حميراء صغيرةٍ من أعمالِ العباد، ﴿ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَآءِ وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذلِكَ ﴾ ولا أخفَّ من الوزنِ من الذرَّة، ﴿ وَلا أَكْبَرَ ﴾، ولا أثقلَ منه، ﴿ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ﴾، إلاّ وهو مع علمِ الله تعالى ومكتوبٌ في اللوحِ المحفوظ. والعُزُوبُ البُعْدُ والذهابُ، ويَعْزُِبُ بضمِّ الزاي وكسرِها لُغتان. قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ ﴾ أي وَزْنَ ذرَة، ومثقالُ الشيء ما وَازَنَهُ.
قال الفرَّاءُ :(مَنْ نَصَبَ قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ أَصْغَرَ ﴾ و ﴿ أَكْبَرَ ﴾ فَإِنَّمَا أرَادَ الْخَفْضَ يُتْبعْهُمَا الْمِثْقَالَ وَالذرَّةَ، إلاَّ أنَّهُمَا لاَ يَنْصَرِفَانِ ؛ لأنَّهُمَا عَلَى وَزْنِ أفْعَلَ اتِّبَاعُ مَعْنَى الْمِثْقَالِ ؛ لأنَّكَ لَوْ لَقِيتَ مِنَ الْمِثْقَالِ مَنْ كَانَ رَفْعاً وَهُوَ كَقَوْلِهِ : مَا أتَانِي مِنْ أحَدٍ عَاقِلٍ وَعَاقلٌ، وَكَذلِكَ : مَا لَكُمْ مِنْ إلَهٍ غَيْرِهِ وَغَيْرُهُ).
وَقِيْلَ : رُفع على الابتداءِ، وخبرهُ ﴿ إِلاَّ فِي كِتَابٍ ﴾ فمَن قرأ (وَلاَ أصْغَرَ وَلاَ أكْبَرَ) بالنصب فالمعنى : وما يعزبُ عن ربك مِن مثقال ذرَّة، ولا أصغرَ من ذلكَ ولا أكبرَ. ومَن رفع المعنى : وما يعزبُ عن ربكَ مِثقالُ ذرَّةٍ، ولا أصغرُ ولا أكبر.


الصفحة التالية
Icon