قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن يَقُولُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَآءَ مَعَهُ مَلَكٌ ﴾ ؛ سببُ نزول هذه الآيةِ : أنَّ المشركين كانُوا يقولون للنبيِّ ﷺ : لو تركتَ سبَّنَا وسبَّ آلهتنا جالَسنَاكَ، وكانوا يُؤذونَهُ ويقولون : لولا أُنزل على مُحَمَّدٍ كَنْزٌ من السَّماءِ فيعشُ به وينفعهُ، أو جاءَ معه مَلَكٌ يشهدُ له ويُعِينُهُ على الرسالةِ.
وَقِيْلَ : إن المشركين قالوا للنبيَّ ﷺ : لو أتَيتَنا بكتابٍ ليس فيه سبٌّ آلهتِنا حتى نؤمنَ بكَ ونتَّبعَكَ، وقال بعضُ المتكبرين : هَلاَّ ينْزِلُ عليك يا مُحَمَّدُ مَلَكٌ يشهدُ لكَ بالصدقِ، أو تُعطَى كَنْزاً تستَغني أنتَ وأتباعُكَ ؟ فَهَمَّ رسولُ اللهِ ﷺ أن يدعَ سَبَّ آلهتِهم فأنزلَ اللهُ هذه الآيةَ. ولا يجوزُ أن تكون كلمة (لَعَلَّ) في أولِ هذه الآية على جهة الشَّكِّ، وإنما الغرضُ تثبيتُ النبيِّ ﷺ في ما أُمِرَ به ؛ كيلا يلتفتَ على قولِهم، وكي لا ييأَسُوا عن تركِ أداء الرسالة.
فلما قالوا للنبيِّ ﷺ :﴿ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَآءَ مَعَهُ مَلَكٌ ﴾. يقولُ الله للنبيِّ ﷺ :﴿ إِنَّمَآ أَنتَ نَذِيرٌ ﴾ ؛ أي عليكَ أن تُنذِرَهم وتُخوِّفَهم وتأتِيَهم بما يُوحَى إليكَ من الآياتِ، وليس عليك أن تأتِيَ بشهوَاتِهم وما يفرَحُون من الآياتِ، ﴿ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ﴾ ؛ من مقالَتِهم وغيرِ ذلك، ﴿ وَكِيلٌ ﴾ ؛ أي حفيظٌ.
والفرقُ بين ضَائِقٍ وَضَيِّقٍ، أن الضائقَ يكونُ بضِيقِ عَارِضٍ، والضِّيقُ قصورُ الشيءِ عن مقدارِ غيرهِ أنْ يكونَ فيه، وموضعُ ﴿ أَن يَقُولُواْ ﴾ حذف الباء تقديرهُ : ضَائِقٌ به صدرُكَ بأَنْ يقُولوا.


الصفحة التالية
Icon