قوْلُهُ تَعَالَى :﴿ فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ ﴾ ؛ أي الخوفُ والفَزَعُ، ﴿ وَجَآءَتْهُ الْبُشْرَى ﴾ ؛ بإسحقَ جعلَ، ﴿ يُجَادِلُنَا ﴾ ؛ يجادِلُ رسُلَنا، ﴿ فِي قَوْمِ لُوطٍ ﴾.
واختلَفُوا في هذهِ المجادلة، فقال بعضُهم : سألَ عن سبب تعذيب اللهِ لهم سؤالَ مُسَتقْصٍ حتى قالَ : إنَّ اللهَ أمرَ باستئصالِهم وبتخويفِهم بالعقاب، وحتى قال : إنَّ فيها لُوطاً. وقال بعضُهم : أراد بالمجادلةِ الدُّعاءَ والتضرُّعَ وشدةَ الحرصِ على نجاة القومِ رجاءَ إيمانِهم.
كما رُوي أنَّ إبراهيمَ عليه السلام قامَ من الليلِ يُصلِّي وهو يقولُ : يا رب أتُهِلكُ قومَ لوطٍ ؟ قِيْلَ : يا إبراهيمَ ليس فيهم مؤمنون، قال : يا رب فإن كان فيهم خمسونَ أهلُ بيتٍ مُؤمنون أتُهلِكُهم ؟ قِيْلَ : لا، قال : فأربعونَ ؟ قِيْلَ : لاَ، فَلَمْ يزل يُرَدِّدُ حتى قِيْلَ : إنْ كان يهم خمسةُ أبياتٍ مؤمنين رفَعنا عنهم البلاءَ. يقولُ الله تعالى :﴿ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾[الذاريات : ٣٦].
قِيْلَ : لَمَّا جادَلَهم إبراهيمُ عليه السلام قالت له الرُّسُل : يا إبراهيم أعْرِضْ عن هذا الجدالِ، إنه قد جاءَ أمرُ ربكَ بعذابهم، وإنَّهم آتِيهم عذابٌ غير مردودٍ، قوله :﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ ﴾ ؛ أي وَقُورٌ بَطِيءُ الغضب، والحليمُ : الْمُحْتَمِلُ للأَذى مع قُدرتهِ على العقوبةِ والمكافأة، ﴿ أَوَّاهٌ ﴾ ؛ بالدعاء، ويقال : الرحيمُ، ويقال المتأَوِّهُ خَوفاً وأسَفاً على الذُّنوب، و ﴿ مُّنِيبٌ ﴾ ؛ هو الراجعُ إلى اللهِ.