قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ ﴾ ؛ أي وقتَ الغَدَاةِ والعصرِ، ﴿ وَزُلَفاً مِّنَ الَّيْلِ ﴾ ؛ أي ساعةً بعد ساعةٍ من الليل، يعني صلاةَ المغرب والعِشَاء. والزُّلْفَى جَمْعُ الزُّلْفَةِ ؛ هي الساعةُ القريبة من أوَّلِ الليل.
ويقالُ : إن صلاةَ الظُّهر داخلةٌ في قوله ﴿ طَرَفَيِ النَّهَارِ ﴾ ؛ لأنَّها لا تقامُ إلا بعدَ الزوالِ، فإذا زالتِ الشمسُ فقد دخلَ الطرفُ الآخر خُصوصاً إذا اعتبرَ النهارُ من طلوعِ الفجر.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ ﴾ ؛ أي إن الصلواتِ الخمس يُذهِبْنَ الصغائرَ، كما رُوي عن رسول الله ﷺ أنه قال :" الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إلَى الْجُمُعَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ ". وَقِيْلَ : إنَّ التوبةَ تُكَفِّرُ عقابَ السيِّئات، وَقِيْلَ : أرادَ بالحسناتِ : سُبحان الله ؛ والحمدُ للهِ ؛ ولا إلهَ إلا اللهُ ؛ واللهُ أكبر. قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ ذلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ * وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ ؛ أي ذلك الخطابُ تذكيرٌ للذاكرِين الذين يذْكُرون أوامرَ اللهِ ويأخذون بها، ويذكرون نَواهِيَهُ فيجتبنونَ معاصيه.
وعن ابنِ عبَّاس قال :" نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ عُمَرَ بْنَ عَرَفَةَ الأَنْصَاريّ، أتَتْهُ امْرَأةٌ تَبْتَاعُ تَمْراً فَأَعْجَبَتْهُ، فَقَالَ : إنَّ فِي الْبَيْتِ تَمْراً أجْودَ مِنْهُ، فانْطَلِِقِي مَعِي حَتَّى أُعْطِيكِ مِنْهُ.
فَانْطَلَقَتْ مَعَهُ، فَلَمَّا دَخَلَتِ الْبَيْتَ وَثَبَ عَلَيْهَا، فَلَمْ يَتْرُكْ شَيْئاً مِمَّا يَفْعَلُهُ الرَّجُلُ بالْمَرْأةِ إلاَّ وَقَدْ فَعَلَهُ، إلاَّ أنَّهُ لَمْ يُجَامِعْهَا - يَعْنِي أنَّهُ ضَمَّهَا وَقَبَّلَهَا وَحَذفَ شَهْوَتَهُ - فَقَالَتْ لَهُ : اتَّقِ اللهَ، فَتَرَكَهَا وَنَدِمَ، ثُمَّ اغْتَسَلَ وَأتَى رَسُولِ اللهِ. فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ رَاوَدَ امْرَأةً عَنْ نَفْسِهَا، وَلَمْ يُبْقِ شَيْئاً مِنْ مَا يَفْعَلُهُ الرَّجُلُ بالنِّسَاءِ غَيْرَ أنَّهُ لَمْ يُجَامِعْهَا ؟
فَقَالَ عُمَرٌ : لَقَدْ سَتَرَكَ اللهُ لَوْ سَتَرْتَ عَلَى نَفْسِكَ! وَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ شَيْئاً، فَقَالَ :" مَا أدْرِي، مَا أدْرِي عَلَيْكَ حَتَّى يَأْتِي فِيكَ شَيْءٌ " فَحَضَرَتْ صَلاَةُ الْعَصْرِ، فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ ﷺ مِنَ الصَّلاَةِ، نَزَلَ جِبْرِيلُ عليه السلام يُنْبؤُهُ بهَذِهِ الآيَةِ، فَقَرَأهَا رَسُولُ اللهِ ﷺ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ أخَاصٌّ لَهُ أمْ عَامٌّ ؟ فَقَالَ :" بَلْ عَامٌّ لِلنَّاسِ كُلِّهِمْ ".