قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ ﴾ ؛ قال ابنُ عبَّاس :(هُنَّ أرْبَعُ نِسْوَةٍ : أمْرأَةُ سَاقِي الْمَلِكِ، وَامْرَأةُ خَبَّازِهِ، وَامْرَأَةُ صَاحِب سِجْنِهِ، وَامْرَأَةُ صَاحِب دَوَابهِ، قُلْنَ فِي امْرَأةِ الْعَزِيزِ : إنَّهَا تَدْعُو عَبْدَهَا إلَى نَفْسِهَا).
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً ﴾ ؛ قد خَرَقَ حبُّهُ حجابَ قلبها فلا يعقلُ غيره، ويقال : قد أحبَّتهُ حتى دخلَ حُبُّهُ شِغَافَ قَلبها. والشِّغَافُ : جلدةٌ تشتملُ على القلب، يقالُ : شَغفَهُ إذا رماهُ فأصابَ ذلك الموضعِ منه كما يقالُ كَبَدَهُ إ ذا أصابَ كَبدَهُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ حُبّاً ﴾ نُصِبَ على التمييزِ كأنَّهُنَّ قُلنَ : أصابَ حبُّه وسطَ قلبها وسويداءَ قلبها. وقرأ أبو رجاءٍ والشعبي : بالعين المهملة، ومعناه ذهبَ بها الحبُّ كلَّ مذهبٍ، مشتقٌ من شِعَافِ الجبالِ أي رُؤوسها. قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ :﴿ إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ﴾ ؛ أي في الخطأ البيِّن.
قال ابنُ عبَّاس :(فَجَعَلْنَ يُفْشِينَ هَذا فِي الْمَدِينَةِ، فَبَلَغَ ذلِكَ زُلَيْخَا) فهو قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ ﴾ ؛ أي فلما سَمعت بكلامَ هؤلاء النِّسوة وذمِّهن لها أرسَلت إليهنَّ، فدَعَتهُنَّ لوليمةٍ أعدَّتْها لهن، ويقال : إنما سمُي قولُ النسوةِ مَكْراً ؛ لأنَّها كانت أطلَعَتْهُنَّ واستكتَمَتْهن فأَفْشَيْنَ سِرَّها.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئاً ﴾ ؛ أي أصلَحت وهيَّأَتْ لهن أمكنةً يقعُدن عليها، ووسائدَ يتَّكِينَ عليها، وفي قراءة ابنِ عباس (مُتْكاً) بالتخفيف بغير همز، قال :(وَالْمُتْكُ : الأَتْرُجّ).
قال وهبُ :(دَعَتْ أرْبَعِينَ امْرأَةً، وَأعَدَّتْ لَهُنَّ أتْرُجاً وَبطِّيخاً). قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً ﴾ ؛ لتقطعَ بها الفواكِهَ والأُترج على ما جَرت به العادةُ، ويقال : كانت وضَعت لَهُنَّ خُبزاً ولَحماً وهذه الفواكه، ﴿ وَقَالَتِ ﴾ ؛ ليوسُف :﴿ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ ﴾ ؛ وذلك أنَها كانت قد أجْلَسَتهُ في مجلسٍ غير الذي كُنَّ جلسنَ فيه. قال عكرمةُ :(وَكَانَ فَضْلُ يُوسُفَ عَلَى النَّاسِ فِي الْحُسْنِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى النُّجُومِ).
وعن أبي سعيدٍ الخدري قال : قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ :" مَرَرْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بي فَرَأيْتُ يُوسُفَ عليه السلام، فَقُلْتُ : يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَذا ؟ فَقَالَ : يُوسُفَ " قَالَ : كَيْفَ رَأيْتَهُ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ :" كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ". ورُوي أن يوسف عليه السلام كان إذا مشَى في أزِقَّة مصرَ يُرى نورُ وجههِ على الجِدَارَاتِ كما ترى نورَ الشمسِ والماء على الجدار.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ ﴾ فخرجَ عليهن، ﴿ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ ﴾ ؛ أي عَظُمَ عندَهُن، وَ ؛ بلغَ من شَغْلِ قُلوبهن برؤيته ما، ﴿ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ ﴾ ؛ بالسَّكاكين. قال قتادةُ :(قَطَّعْنَ أيْدِيَهُنَّ حَتَّى ألْقَيْنَهَا وَهُنَّ لاَ يَشْعُرْنَ)، ويقالُ : معنى (أكْبَرْنَهُ) أي حِضْنَ، ويقال : معنى (أكْبَرْنَ) آمَنَّ. قِيْلَ : أنَّهن كُنَّ يقَطِّعن أيديهن وهن يحسَبن أنَّهن يُقَطِّعنَ الأتْرَجُ، ولم يجدن الألَمَ لاشتغالِ قُلوبهن برؤيةِ يوسف. قال وهب :(وَبَلَغَنِي أنَّ سَبْعاً مِنَ الأرْبَعِينَ مِمَّنْ كُنَّ فِي ذلِكَ الْمَجْلِسِ وَجَدْنَ بيُوسُفَ عليه السلام).


الصفحة التالية
Icon