قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ﴾ ؛ أي هو الذي رَفَعَ السَّموات، وأقامَها واقفةً على غير عَمَدٍ تَرونَها أنتم كذلكَ بلا عَمَد، هكذا قال أكثرُ المفسِّرين، وعن ابنِ عباس في روايةٍ (بعَمَدٍ لاَ تَرَوْنَهَا، كَأَنَّهُ قَالَ : بغَيْرِ عَمَدٍ مَرْئِيَّةٍ). والأولُ أقربُ إلى الصحَّة ؛ لأنه لو كان للسَّماء عِمَادٌ لكُنَّا نرى ذلك العمادَ، لأن مثلَ السموات في ثُقلِها وارتفاعها وعِظَمها لا يُقِلُّها عمادٌ إلاّ وقد يكون ذلك العمادُ جَسيماً عظيماً. قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ﴾ ؛ قد تقدَّمَ تفسيرهُ.
وقولهُ تعالى :﴿ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ﴾ ؛ تقديرُه : اللهُ الذي رفعَ السموات بغيرِ عَمَدٍ، ثم سخَّرَ الشمسَ والقمرَ وهو مستوٍ على العرشِ، لأنَّ استيلاءَ الله على الأشياءِ قدرتهُ عليها، وقدرةُ الله لا تكون مُحدَثَةً. وتسخيرُ الشمسِ والقمر إجراؤُهما لمنافعِ بني آدم، ومعنى السَّخْرِ أن يكون الشيءُ مَقهوراً لا يملكُ لنفسهِ ما يخلِّصُه من القهر. قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّـى ﴾ ؛ إلى وقتٍ معلوم وهو وقتُ فَنَاءِ الدُّنيا، فإذا انْفَنَتُ الُّدنيا كَوِّرَتِ الشمسُ وانكَدَرت النجومُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ ﴾ ؛ أي يقضِي القضاءَ، ويبعثُ الملائكةَ بالوحي، ويُنْزِلُ الرزقَ والأقضيةَ، قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ يُفَصِّلُ الآيَاتِ ﴾ أي يأتِي بآيةٍ في إثْرِ آيةٍ ليكون أمكنَ للاعتبار والفكر. وقوله تعالى :﴿ لَعَلَّكُمْ بِلِقَآءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ ﴾ ؛ أي لِتَسْتَيْقِنُوا بالبعثِ وبما وعَدَكم الله به من الثواب والعقاب.


الصفحة التالية
Icon