قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَآءً وَتَصْدِيَةً ﴾ ؛ يعنِي : إنَّ تقرُّبَ المشركين إلى اللهِ كان بالصَّفِيرِ والتَّصفِيقِ، كانوا يفعَلون ذلكَ عندَ البيتِ مكانَ الدُّعَاءِ والتَّسبيحِ. وَقِيْلَ : كَانُوا يأْتُون بأفعالِ الصَّلاةِ، إلاَّ أنَّهم مع ذلكَ يُصَفِّرُونَ فيها ويُصَفِّقونَ.
وَالْمُكَاءُ : طائرٌ أبيض يكون في الحجاز يُصَفِّرُ يسمَّى باسم بصوته، ويقالُ : مَكَا يَمْكُو إذا صَفَّرَ. وصَدَى تَصْدِيَةً إذا صَفَّقَ بيدهِ.
وقال مقاتلُ :(كَانَ النَّبيُّ ﷺ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَامَ رَجُلاَنِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ عَنْ يَمِينِهِ وَرَجُلاَنِ عَنْ يَسَارِهِ، فَيُصَفِّرُونَ كَمَا يُصَفِّرُ الْمُكَاءُ، وَيُصَفِّقُونَ بأَيْدِيهِمْ ؛ لِيَخْلِطُواْ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ وَقِرَاءَتَهُ، وَكَانُواْ يَفْعَلُونَ كَذلِكَ بصَلاَةِ مَنْ آمَنَ بهِ، فَقَتَلَهُمُ اللهُ يَوْمَ بَدْرٍ). وذلك قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ ﴾ ؛ ويقالُ : أرادَ بهذا أنه يُقال لهم يومَ القيامةِ :﴿ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ ﴾ وقال أبُو جَعفر :(سَأَلْتُ أبَا سَلَمَةَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ إِلاَّ مُكَآءً وَتَصْدِيَةً ﴾ فَجَمَعَ يَدَيْهِ ثُمَّ نَفَخَ فِيهِمَا صَفِيراً). وقال ابنُ عبَّاس :(كَانَتْ قُرَيْشُ يَطُوفُونَ بالْبَيْتِ عُرَاةً، وَيُدْخِلُونَ أصَابعَهُمْ فِي أفْوَاهِهِمْ فَيُصَفِّرُونَ).


الصفحة التالية
Icon