قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ﴾ ؛ حتى الْخَيْطَ وَالْمَخِيطَ، قال ابنُ عَبَّاس :(كَانَ خُمُسُ الْغَنِيمَةِ يُقْسَمُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ ﷺ عَلَى خَمْسَةِ أسْهُمٍ، سَهْمٌ للهِ وَرَسُولِهِ، وَوَاحِدٌ كَانَ النَّبيُّ ﷺ يُعْطِي فِيْهِ الْمُحْتَاجَ وَالضَّعِيفَ وَيَجْعَلُهُ فِي عِدَّةِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ السِّلاَحِ وَنَحْوِهِ، وَسَهْمٌ لِذوِي قَرَابَةِ النِّبيِّ ﷺ، وَسَهْمٌ لِيَتَامَى الْمُسْلِمِينَ عَامَّةً، وَسَهْمٌ لِمَسَاكِينِ الْمُسْلِمِينَ، وَسَهْمٌ لابْنِ السَّبِيلِ. ثُمَّ قَسَمَهُ أبُو بَكْرٍ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، عَلَى ثَلاَثَةِ أسْهُمٍ لِلْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنِ السَّبيلِ، وَكَذلِكَ فَعَلَ عُمَرُ ثُمَّ عُثَْمَانُ ثُمَّ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ).
وبهذا أخذ أبو حَنيفة وأصحابهُ ؛ قالوا : إنَّ قولَهُ تعالى ﴿ للَّهِ خُمُسَهُ ﴾ لافتتاحِ الكلامِ باسمه تعالى على طريقِ التبرُّك، لا لأنَّ للهِ نصيباً من الْخُمُسِ، فإنَّ الدُّنيا والآخرة كلُّها لهُ سُبحانه، وسهمُ رسولِ اللهِ ﷺ سَقَطَ بموتهِ ؛ لأن الأنبياءَ عليهمُ السَّلام لا يُورَثُونَ، وبينَهم ذوِي القراباتِ كان جعل النبيِّ ﷺ سهمَهُ في مَن شاءَ منهم، ألاَ ترى أنه أعطَى بني هاشم وبنِي المطَّلب، وأحرمَ بني نوفل وبني عبدِ شمس مع مساواتِها بني عبدِ المطلَّب في القُرْب ؛ لأن بني هاشم لم يفارقوهُ في جاهليَّة ولا إسلامٍ، وإذا بَطَلَ هذان السَّهمان بعدَ رسولِ اللهِ ﷺ، ورَجَعْنَا إلى السِّهام الثلاثةِ التي ذُكرت مَعَهُما، فقُسِّمَ الخمُسُ على ثلاثةِ أسهُم، ويدخلُ في استحقاقهِ فقراءُ بني هاشم دونَ أغنيائِهم بدلاً عمَّا حُرِمُوا من الصَّدقات، وأربعةُ أخماسِ الغَنيمة للغَانِمين.
واليَتِيمُ من كلِّ جنسٍ من الحيوان الذي ماتَتْ أمُّهُ، إلا من بَني آدمَ فإنه إذا ماتَ أبوهُ. والمسكينُ الذي أسْكَنَهُ الضعفُ عن النُّهوضِ لحاجتهِ. وابنُ السَّبيلِ المنطقعُ عن مالهِ.
وقال بعضُهم : يُقسَمُ الخمُس الآنَ على أربعةِ اسهُم، فينفردُ سهم قرابةِ النبيِّ ﷺ، وقال الشافعيُّ :(يُقْسَمُ الْخُمُسُ الآن عَلَى خَمْسَةِ أسْهُمٍ، سَهْمٌ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ يُصْرَفُ إلَى الأَهَمِّ فَالأَهَمِّ مِنْ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ)، ومِن أصحابهِ مَن قالَ : يصرفُ إلى الخليفةِ، وسهمُ قرابةِ ذوي النبيِّ ﷺ لأغنيائِهم وفُقَرائِهم، وثلاثةُ أسهُمٍ لليتامَى والمساكين وابنِ السَّبيل.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ إِن كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ ﴾ ؛ معناهُ : اقبَلُوا ما أُمِرتُم به في الغنيمةِ إن كُنتم صدَّقتُم بتوحيدِ الله، وبما أنزَلنا على عبدِنا مُحَمَّدٍ ﷺ، وقولهُ تعالى :﴿ يَوْمَ الْفُرْقَانِ ﴾ أي يومَ بدرٍ فُرِّقَ فيه بين الحقِّ والباطلِ بنصرِ المؤمنين وكَبْتِ الكافرين مع ضَعفِ المسلمين وقَتلِهم. وقولهُ تعالى :﴿ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ ﴾ أي يومَ جَمْعِ الكافرين والمؤمنين، ﴿ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ ؛ من نصرِ المؤمنين وغير ذلك.


الصفحة التالية
Icon