قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ ﴾ ؛ أي وألْهَمَ ربُّكَ النحلَ وعرَّفَها ووَفَّرَ عليها ودعَاها إلى ما هو مذكورٌ في هذه الآيةِ، وسَمَّى الإلهامَ وَحياً ؛ لأن الوحيَ هو ظهورُ المعنى للنَّفسِ على وجهٍ خَفِيٍّ، وقد ألْهَمَ اللهُ كلَّ دابة التماسَ منافعها واجتنابَ مضارِّها، إلاّ أنَّ أمَر النحلِ أعجبُ ؛ لأن فيها مِن لطيفِ الصَّنعة ما فيه أعظمُ مُعتَبَرٍ، فإنَّ اللهَ ألهمَها اتخاذ المنازل والمساكنَ، وأنْ تأكُلَ من كلِّ الثمرات لمنافعِ بني آدم، وأنْ لا تقذفَ ما أكلتْهُ بعد ما صارَ عَسَلاً إلا على حَجَرٍ صافٍ أو مكان نَظِيفٍ لا يخالطهُ طين ولا ترابٌ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ ﴾ ؛ فهي تتخذُ من الجبالِ بُيوتاً إذا لم تكن لأحدٍ، وقولهُ تعالى :﴿ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ﴾ ؛ يعني مما يَبنِي الناسُ لها من خلاَياها ومساكنِها، ولولا التسخيرُ وإلهام الله ما كانت تأْوِي إلى ما يُبنى لها.