قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ ﴾ ؛ أي منفعةُ إحسَانِكم راجعةً إليكم، ﴿ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ﴾ ؛ أي فإلى أنفُسِكم، ولم يقل فإليها على جهةِ المقابلة للكلامِ الأول، ومثلُ هذه الحروفِ قد تُقام بعضُها مقامَ بعضٍ، كما في قولهِ تعالى :﴿ بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا ﴾[الزلزلة : ٥] أي إليها.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ الآخِرَةِ ﴾ ؛ أي وعدَ المرَّة الآخرة في الفسادِ، ﴿ لِيَسُوءُواْ وُجُوهَكُمْ ﴾ ؛ بالقتلِ والسَّبي، ﴿ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ ﴾ ؛ أي مسجدَ بيتِ المقدس، ﴿ كَمَا دَخَلُوهُ ﴾ ؛ دخلَهُ بَخِتْنَصِّر وأصحابهُ، ﴿ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً ﴾ ؛ أي وليُخَرِّبوا ما عَلَوا عليه تخريباً، والتَّبَارُ والرَّماد والهلاكُ بمعنى واحدٍ.
ذلك أن اللهَ سلَّط عليهم بعدَ مائتين وعشرين سنةً ططوس بن استيباتوس الرومي، فحاصَرَهم وقَتَلَ منهم مائةَ ألفٍ وثمانين، وخرَّبَ بيتَ المقدس، وذلك بعدَ قَتلِهم يحيى عليه السلام، فلم يزَلْ كذلك خَراباً إلى أن بناهُ المسلمون، فلم يدخلْهُ رُومِيٌّ بعد ذلكَ إلا خائفاً، كما قالَ تعالى :﴿ أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَآ إِلاَّ خَآئِفِينَ ﴾[البقرة : ١١٤].
وذهبَ بعضُهم إلى أن بَخِتْنَصَّرَ غَزَا بني إسرائيلَ مرَّتين، ففتحَ مدينَتهم في المرَّة الأولى، وجَاسُوا خلالَها يَقتُلون فيهم، فتابَتْ بنو إسرائيلَ إلى اللهِ تعالى فأظهرَهم اللهُ تعالى على بختنصِّر فرَدَّ عنهم، ثم بعثَ الله إلى بني اسرائيلَ (أرْضِيَّا) النبيَّ عليه السلام، فقامَ فيه بوحيِِ الله تعالى، فضربوهُ وقيَّدوه وحبسوهُ، فسلَّطَ الله عليهم بختنَصِّر مرَّةً أُخرى ففعلَ ما فعلَ.


الصفحة التالية
Icon