قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ ﴾ ؛ أي ألزمناهُ عمَلهُ من خيرٍ أو شرٍّ في عنُقهِ، فجعلنا جزاءَ عملهِ لازماً له، كما يقالُ : هذا الحقُّ في عُنقِ فلان وفي ذمَّتهِ، قال مجاهدُ :(مَكْتُوبٌ فِي وَرَقَةٍ مُعَلَّقَةٍ فِي عُنُقِهِ شَقِيٌّ أوْ سَعِيدٌ) روىَ الحكمُ عن مجاهدٍ :(مَا مِنْ مَوْلُودٍ إلاَّ وَفِي عُنُقِهِ مَكْتُوبٌ شَقِيٌّ أوْ سَعِيدٌ).
وفي الآية تشبيهُ العملِ بالطائرِ الذي يجيءُ من ناحية اليمينِ فيُتبَرَّك بهِ، والذي يجيءُ من ذاتِ الشِّمال فيُتشاءَمُ به، وأما الإضافةُ إلى العُنقِ دون سائرِ الأعضاء ؛ فلأنَّ ما يتزيَّن به من طَوقٍ أو ما يشين من غِلٍّ فإنما يضافُ إلى الأعناقِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً ﴾ ؛ أي يرفعُ الله يوم القيامةِ كتابَهُ يرَى فيه جزاءَ أعمالهِ، قرأ الحسنُ ومجاهد :(وَنُخْرَجُ) على ما لَم يسَمَّ فاعلهُ، على معنى : ونخرجُ له الطائرَ كتاباً. وانتصبَ قولهُ (كِتَاباً) على الحالِ.
وقرأ أبو جعفرٍ :(وَيُخْرِجُ) بالياء مسمَّى الفاعل ؛ أي ويَخرُجُ له الطائرُ يومَ القيامةِ. وقرأ يحيى بن وثَّاب (وَيُخْرِجُ) بضمِّ الياء وكسر الراء، المعنى : ويخرِجُ اللهُ له كتاباً، وقرأ الحسنُ ومجاهد :(ألْزَمْنَاهُ طَيْرَهُ) بغيرِ ألف، وقال أهلُ المعاني : أرادَ بالطائرِ ما قضَى عليهِ أنه فاعلهُ، وما هو صائرٌ إليه من شقاوةٍ أو سعادة. قَوْلُهُ تَعَالَى :(يُلَقَّاهُ مَنشُوراً) قرأ أبو جعفر بضمِّ الياء وفتحِ اللام وتشديدِ القاف، يعني يَلقى الإنسانُ ذلك الكتابَ الذي يؤتى، وقرأ الباقون بالتخفيفِ ؛ أي يراهُ مَنشورةً فيه حسناتهُ وسيئاته.
قال ابنُ عباس (يُعْطَى الْمُؤْمِنُ كِتَاباً بيَمِينِهِ وَهِيَ صَحِيفَتُهُ، يَقْرَأ فِيْهَا حَسَنَاتِهِ وَسَيِّئَاتِهِ فِي بَطْنِهَا : عَمِلْتَ كَذا، وَقُلْتَ كَذا فِي سَنَةِ كَذا، فِي شَهْرِ كَذا، فِي يَوْمِ كَذا، فِي سَاعَةِ كَذا، فِي مَكَانِ كَذا. فَإذا انْتَهَىَ إلَى أسْفَلِهَا قِيْلَ لَهُ : قَدْ غَفَرَ اللهُ لَكَ، إقْرَأ مَا فِي ظَاهِرِهَا، فَيْقْرَأ حَسَنَاتِهِ فَيَسُرُّهُ مَا يَرَى فِيْهَا، وَيُشْرِقُ لَوْنُهُ عِنْدَ ذلِكَ﴿ فَيَقُولُ هَآؤُمُ اقْرَءُواْ كِتَـابيَهْ * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاَقٍ حِسَابِيَهْ ﴾[الحاقة : ١٩ و٢٠]).
قال :(وَيُعْطَى الْكَافِرُ كِتَابَهُ بشِمَالِهِ، فَيَقْرَأُ حَسَنَاتِهِ فِي بَاطِنِهَا، فَيَجِدُ عَمِلْتْ كَذا فِي سَنَةِ كَذا فِي شَهْرِ كَذا، فِي يَوْمِ كَذا، فِي سَاعَةِ كَذا. فَإذا انْتَهَى إلَى آخِرِهَا قِيلَ لَهُ : هَذِهِ حَسَنَاتُكَ قَدْ رُدَّتْ عَلَيْكَ، إقْرَأْ مَا فِي ظَاهِرِ كِتَابكَ، فَيَرَى مَا فِي ظَاهِرِ كِتَابِهِ كُلَّ سَيِّئَاتِهِ، كُلَّ صَغِيرَةٍ وَكَبيرَةٍ، فَيَسْوَدُّ وَجْهُهُ وَتَزْرَقُ عَيْنَاهُ، وَيَقُولُ عِنْدَ ذلِكَ﴿ يالَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ ﴾[الحاقة : ٢٥ و٢٦]).


الصفحة التالية
Icon