قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ قُلْ كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً ﴾ ؛ أي قُل لَهم يا مُحَمَّدُ : كونُوا حجارةً إنْ قَدرتُم عليها، أو أشدَّ منها بأن تكُونوا حَديداً، أو أقوَى من الحديدِ ؛ ﴿ أَوْ خَلْقاً مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ ﴾ ؛ أو أيَّ شيءٍ من الخلقِ نحوَ السَّموات والأرضِ والجبالِ، فإنِّي أُعيدكم لا محالةَ إلى ما كُنتم عليهِ من قَبْل.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا ﴾ أي إذا قُلْتَ لهم ذلكَ فسيقولون لكَ : مَن يُعِيدُنا ؟ ﴿ قُلِ ﴾ ؛ لَهم : يُعِيدُكم، ﴿ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴾ ؛ لأنَّ مَن قَدَرَ على البناءِ كان على الهدمِ أقدرَ، ومَن قدر على ابتداءِ الشيء كان على إعادتهِ أقدرَ.
قولهُ :﴿ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ ﴾ ؛ أي فسيُحرِّكون إليكَ رُؤوسَهم تعجُّباً لقولِكَ، والإنْغَاضُ : تحرُّكُ الرأس بالارتفاع والانخفاضِ على جهة الاستهزاءِ والاستبطاء، ﴿ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ ﴾ ؛ أي متى تكون الإعادةُ، ﴿ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيباً ﴾ ؛ أي قل عسى أن تكون الإعادةُ قريبةً، و(عَسَى) مِن الله واجبةٌ، ﴿ يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ ﴾ ؛ في النَّفخةِ الثانية، فتجيبون دَاعِيَ اللهِ حامِدين لله، قال سعيدُ بن جبير :(يَخْرُجُونَ مِنْ قُبُورهِمْ يَقُولُونَ : سُبْحَانَكَ وَبحَمْدِكَ، وَلاَ يَنْفَعُهُمْ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ ؛ لأَنَّهُمْ حَمَدُوا حِينَ لاَ يَنْفَعُهُمُ الْحَمْدُ).
قولهُ :﴿ وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ ؛ أي تظُنون أنَّكم لم تلبَثُوا في الدُّنيا إلا قَليلاً لسُرعةِ انقلاب الدُّنيا إلى الآخرةِ، كما قال الحسنُ :(كَأَنَّكَ بالدُّنْيَا وَلَمْ تَكُنْ وَبالآخِرَةِ وَلَمْ تَزَلْ).
ومِن المفسِّرين مَن قالَ : هذه الآية خطابٌ للمؤمنِين ؛ لأنَّهم يستَجيبون للهِ بحمده على إحسانهِ إليهم، كما قالَ ﷺ :" كَأَنِّي بأَهْلِ لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ وَهُمْ يَنْفِضُونَ التُّرَابَ عَنْ رُؤُوسِهِمْ وَيَقُولُونَ : الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ".