قولهِ تعالى :﴿ وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ ﴾ ؛ تظنُّهم يا مُحَمَّدُ منتَبهين وهو نائمونَ، وإنَّما كان يحسَبُهم الرَّائي منتبهينَ ؛ لأنَّّهم كانوا نياماً وهم مفتوحُو الأعيُنِ، وكانوا يتنفَّسُون.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ اليَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ﴾ ؛ قرا الحسنُ (وَنُقْلِبُهُمْ) بالنخفيفِ، والمعنى نقلبُهم تارةً عن اليمين إلى الشمال ؛ وتارةً عن الشمالِ إلى اليمين، كما نقلبُ النائمُ ؛ لئَلاَّ تأكُلَ الأرضُ أجسامَهم. ذكرَ قتادةُ :(أنَّ لَهُمْ فِي عَامٍ تَقْلِيْبَيْنِ)، وعن ابنِ عبَّاس :(فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً).
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالوَصِيدِ ﴾ ؛ أي على باب الفجوة أنامَهُ الله كذلكَ، والوَصِيْدُ مِن قولِهم : أوْصَدْتُ البَابَ، وَأصَدْتُهُ إذا أغلقتهُ، وقد يقالُ لذلكَ الأصِيْدُ أيضاً، وَقِيْلَ : الوَصِيْدُ فناءُ الكهفِ. وقال سعيدُ بن جُبير :(الْوَصِيْدُ : التُّرَابُ). وقال السديُّ :(الْوَصِيْدُ : الْبَابُ). وقال عطاءُ :(عَتَبَةُ الْبَاب).
وكان لونُ الكلب أحمرَ، كذا قال ابنُ عبَّاس، وقال مقاتلُ :(كَانَ أصْفَرَ يَضْرِبُ إلَى الْحُمْرَةِ) وَقِيْلَ : كان كلونِ الحجَرِ، وَقِيْلَ : كلونِ السَّماء. قال عليٌّ رضي الله عنه :(كَانَ اسْمُهُ رَيَّان). وقال ابنُ عبَّاس :(قِطَمِيْرُ). وقال سفيانُ :(اسْمُهُ حِمْرَانُ). وقال عبدُالله بن سلام :(لسْمُهُ نَشِيْطٌ). روي عن بعضِهم أنه مما أخذ على الكلب أن لا يضرَّ بأحدٍ يقرأُ : وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بالْوَصِيدِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً ﴾ ؛ أي لو اطَّلَعْتَ عليهم يا مُحَمَّدُ لَوَلَّيْتَ منهم فِراراً لِما ألبَسَهم اللهُ تعالى من الْهَيْبَةِ حتى لا يصلَ إليهم أحدٌ حتى يبلغَ الكتابُ أجَلَهُ فيهم وينتبهوا من رقدتِهم. وَقِيْلَ : لأنَّهم كانوا في مكانِ مُوحِشٍ من الكهفِ، وَقِيْلَ : لأن أعيُنَهم مفتحةً كالمستيقظ الذي يريدُ أن يتكلَّمَ وهم نيامٌ.
وعن ابنِ عبَّاس قال :(غَزَوْنَا مَعَ مُعَاوِيَةَ نَحْوَ الرُّومِ فَمَرَرْنَا بالْكَهْفِ الَّذِي فِيهِ أصْحَابُ الْكَهْفِ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ : لَوْ كَشَفَ لَنَا عَنْ هَؤُلاَءِ فَنَظَرْنَا إلَيْهِمْ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : لَيْسَ لَكَ ؛ قَدْ مَنَعَ اللهُ ذلِكَ عَنْ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ، فَقَالَ : لَوْ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً ؛ ﴿ وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً ﴾ ؛ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ : لاَ أنْتَهِي حَتَّى أعْلَمَ عِلْمَهُمْ، فَبَعَثَ أُنَاساً فَقَالَ : اذْهَبُوا وَانْظُرُواْ، فَفَعَلُوا فَلَمَّا دَخَلُواْ الْكَهْفَ بَعَثَ اللهُ عَلَيْهِمْ ريْحاً فَأَخْرَجَتْهُمُ مِنَ الْكَهْفِ).