قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً ﴾ ؛ وذلك أنَّها لَمَّا سَمعت كلامَ جبريل اطمأنَّتْ إلى قولهِ، فدَنَا منها ونفخَ في جيبها، فوصلت تلك النفخةُ إلى بطنِها فحملت بعيسَى عليه السلام. وَقِيْلَ : نفخَ جبريلُ بها من بعيدٍ فوصلت النفخةُ إليها فحملَتْ. فلما ظهرَ حملُها انْتَبَذتْ أي خرجت وانفردَتْ، وتَنَحَّتْ بولادتِها إلى مكانٍ بعيد من الناسِ. والانْتِبَاذُ : مأخوذٌ من نَبَذْتُ الشيءَ إذا رميتُ بهِ، وجلسَ نُبْذةً أي ناحيةً، والقاصِي والقصِيُّ خلافُ الدَّانِي.
واختلفوا في مُدَّةِ حَملِها، فقال بعضُهم : تسعةُ أشهرٍ كحمل سائرِ النِّساء على ما جرت به العادةُ، وقال : بعضُهم ثَمانية أشهرٍ، وكان ذلك آيةً أُخرى ؛ لأنه لَم يعِشْ مولودٌ وُضِعَ لثمانيةِ أشهر غيرُ عيسى عليه السلام، وقال بعضُهم : ستةُ أشهر، وَقِيْلَ : ثلاث ساعات، وَقِيْلَ : ساعةٌ واحدة.
وقال ابنُ عبَّاس رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا :(مَا هُوَ إلاَّ أنْ حَمَلَتْ فَوَضَعَتْ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْحَمْلِ وَالإنْبَاذِ إلاَّ سَاعَةٌ ؛ لأنَّ اللهَ تَعَالَى لَمْ يَذْكُرْ بَيْنَهُمَا فَصْلاً). وقال مقاتلُ :(حَمَلَتْهُ فِي سَاعَةٍ وَصُوِّرَ فِي سَاعَةٍ، وَوَضَعَتُهُ فِي سَاعَةٍ حِيْنَ زَالَتِ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِهَا وَهِيَ بنْتُ عَشْرِ سِنِيْنَ، وَقْدْ حَاضَتْ حَيْضَتَيْنِ قَبْلَ أنْ تَحْمِلَ بعِيْسَى عليه السلام). قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ مَكَاناً قَصِيّاً ﴾ أي مَكاناً بعيداً. قال ابنُ عبَّاس :(أقْصَى الْوَادِي فِرَاراً مِنْ قَوْمِهَا أنْ يُعَيِّرُوهَا بوِلاَدَتِهَا مِنْ غَيْرِ زَوْجٍ).