قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً ﴾ ؛ أي فكُلِي من الرُّطب، واشرَبي من النهرِ، وقَرِّي عَيْناً بولدِكِ عيسى، وطيبي نفساً ؛ أي يقالُ : قَرَّتْ عَيْنُهُ ؛ أي بَرَدَتْ بردَ السرورِ بما ترى، ويقالُ : سَكَنَتْ سكونَ السُّرور برؤيةِ ما تحبُّ، فالأولُ مِن القَرِّ ؛ والثانِي من القَرَارِ. وانتصبَ (عَيْناً) على التفسير الْمُحول، كما يقالُ : طِيْبي نَفْساً ؛ أي طابَتْ نفسْكَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ البَشَرِ أَحَداً ﴾ ؛ أي فإما تَرَينَّ من الآدميِّين أحداً، فسألَكِ عن الولدِ أو لاَمَكِ عليه، ﴿ فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَـانِ صَوْماً ﴾ ؛ أي صَمْتاً، وكذلكَ كان يقرؤُها ابنُ مسعود وأنسُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قال ابنُ عبَّاس رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا :(صَمْتاً ؛ أيْ أوْجَبَتْ عَلَى نَفْسِهَا أنْ لاَ تَتَكَلَّمَ).
وقال قتادةُ :(صَامَتْ عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَاب وَالْكَلاَمِ) ولِهذا قالَتْ :﴿ فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً ﴾ ؛ أي آدَمِيّاً، وكان قد أُذِنَ لَها أن تتكلمَ بهذا القدر ثم سكتت. قال ابنُ مسعود رضي الله عنه :(أُمِرَتْ بالصَّمْتِ ؛ لأَنَّهَا لَمْ يَكُنْ لَهَا حُجَّةً عِنَدْ النَّاسِ فِي شَأْنِ وَلَدِهَا، فَأُمْرَتْ بالْكَفِّ عَنِ الْكَلاَمِ يَكْفِيْهَا وَلَدُهَا الْكَلاَمَ بمَا يُبْرِئُ سَاحَتَهَا). وفي الآيةِ دلالةً أنَّ الصمتَ كان قُرْبَةً في زمانِهم، ولولا ذلكَ لَمَا نذرتْهُ مريَمُ، ثم نُسِخَ ذلكَ بنهي النبيِّ ﷺ عن صومِ الصَّمت. ويروى " أنهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ صَمْتِ يَوْمٍ إلَى اللَّيْلِ ".


الصفحة التالية
Icon