قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ ﴾ ؛ أي خَوِّفْ يا مُحَمَّدُ أهلَ مكَّة يومَ يَتَحَسَّرُ الْمُسِيْءُ هَلاَّ أحسنَ العملَ، والْمُحْسِنُ هلاَّ ازدادَ مِن الأحسنِ. وقال أكثرُ المفسِّرين : يعني الْحَسْرَةَ يومَ يُذْبَحُ الموتُ بين الفريقين، فلو ماتَ أحدٌ فرَحاً لَما ماتَ أهلُ الجنَّة، ولو ماتَ أحدٌ حُزناً لَمَا ماتَ أهلُ النارِ.
وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال : قالَ رسولُ اللهِ ﷺ :" يُجَاءُ بالْمَوْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُ كَبْشٌ أمْلَحُ، فَيُوقَفُ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَيُقَالُ : يَا أهْلَ الْجَنَّةِ هَلْ تَعْرِفُونَ هَذا ؟ فَيُشْرِفُونَ عَلَيْهِ، فَيَقُولُونَ : نَعَمْ ؛ هَذا الْمَوْتُ. فَيُقَالُ لأَهْلِ النَّارِ كَذلِكَ، فَكُلُّهُمْ قَدْ عَرَفَهُ، فَيُذْبَحُ، وَيُقَالُ : يَا أهْلَ الْجَنَّةِ خُلُودٌ بلاَ مَوْتٍ، وَيَا أهْلَ النَّارِ خُلُودٌ بلاَ مَوْتٍ " ثُمَّ قَرَأ رَسُولُ اللهِ ﷺ ﴿ وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ ﴾ " قال مقاتلٌ :(لَوْلاَ مَا قَضَى اللهُ مِنْ تَخْلِيْدِ أهْلِ النَّّارِ وَتَعْمِيْرِهِمْ فِيْهَا، لَمَاتُواْ حَسْرَةً حِيْنَ رَأوْا ذلِكَ).
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ ﴾ أي قُضِيَ لَهم العذابُ في الآخرة، وهم في الدُّنيا في غفلةٍ. وقال السديُّ :(إذْ قُضِيَ الأَمْرُ ؛ أيْ ذُبحَ الْمَوْتُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ فِي الدُّنْيَا عَمَّا يُصْنَعُ بالْمَوْتِ ذلِكَ الْيَوْمِ) ﴿ وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾ ؛ بما يصنعُ بالموتِ ذلكَ اليوم.
ويقالُ : معنى قولهِ تعالى ﴿ وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ ﴾ هو يومُ يأتيهم مَلَكُ الموتِ يقبضُ أرواحَهم، فإذا وقعتِ المعاينةُ قال عندَ ذلك : رَب أرْجِعُونِي، قَالَ اللهُ تَعَالَى :﴿ حَتَّى إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ ﴾[المؤمنون : ٩٩-١٠٠] وَقَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ ﴾ أي وَهُمْ في الدُّنيا في غفلةٍ، وهم لا يؤمنونَ بالقُرْآنِ.


الصفحة التالية
Icon