قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ ﴾ ؛ معناهُ أمامَ هذا الجبَّارِ بعدَ الموتِ جهنَّمُ، والوراءُ يكون من خَلْفٍ وقُدَّامٍ. قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَيُسْقَى مِن مَّآءٍ صَدِيدٍ ﴾ ؛ أي يُسقَى من ماءٍ يَسِيلُ من جُلودِ أهلِ النَّار من القيحِ والدَّمِ، قال ابنُ عبَّاس :(فِي جَهَنَّمَ أوْدِيَةٌ، فِي تِلْكَ الأَوْدِيَةِ صَدِيدُ أهْلِ النَّار وَقَيْحُهُمْ وَدِمَاؤُهُمْ، فَيُسْقَوْنَ مِنْ ذلِكَ الصَّدِيدِ قَدْ نَتَنَ رِيْحُهُ) ﴿ يَتَجَرَّعُهُ ﴾ ؛ شارِبهُ، والملَكُ يضربهُ بالمقامعِ ويقولُ له : اشرب، فيقولُ : لاَ أُطِيقهُ، فيضربهُ حتى يشربَهُ جرعةً جرعةً، ولا يكاد يسيغهُ من نتنه وحرِّه.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ ﴾ ؛ لا يقدرُ أن يبتلعَهُ، والإسَاغَةُ هو دخولُ المشروب في حَلقهِ مع قَبُولِ النفسِ له، وفي الحديثِ عن النبيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ :" يُقَرَّبُ إلَيْهِ فَيَكْرَهُهُ، فَإذا أُدْنِيَ مِنْهُ شَوَى وَجْهَهُ، وَوَقَعَتْ فَرْوَةُ رَأسِهِ فِيْهِ، فَإذا شَرِبَهُ قَطَّعَ أمْعَاءَهُ، فَتَخْرُجُ أمْعَاؤُهُ مِنَ الْجَانِب الآخَرِ " كما قال تعالى :﴿ وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ ﴾[محمد : ١٥].
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ ﴾ ؛ أي ويأْتيهِ غَمُّ الموتِ من قدامه، ومن كلِّ مكان كان فيه يموتُ بدون ذلك في الدُّنيا، قال ابنُ عبَّاس :(يَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ تَحْتِ كُلِّ شَعْرَةٍ فِي جَسَدِهِ). قِيْلَ : وتأتيهِ النيرانُ من كلِّ جانبٍ، ﴿ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ ﴾، فيستريحُ من العذاب، ﴿ وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ ﴾ ؛ أي ومن بعدِ ذلك عذابٌ شديد أشدُّ مما تقدَّمَ لا ينقطعُ ولا يَفْتُرُ.