قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا ﴾ ؛ لخَرَبَتَا وهَلَكَ مَن فيهما، وعيَّن صفةَ الآلِهَةِ ؛ أي لو كان فيهما آلِهةٌ غيرُ اللهِ ؛ أي لو كانَ في السَّماءِ والأرضِ آلِهةٌ غيرُ الله لَمَا قامتِ السَّمواتُ والأرض ؛ لأنه لو أرادَ أحدُهما اتِّخاذ جسمٍ في مكان، وأرادَ آخرُ اتِّخاذ جسمٍ آخر في ذلكَ المكان لَمْ يَخْلُ : إما أن يُوجَدَ مرادُهُما أو لا يوجدُ مرادُهما، أو يوجدُ مرادُ أحدِهما دونَ الآخرِ.
فالأولُ باطلٌ ؛ لأن في وجودُ جِسمَين في مكانٍ واحد. والثانِي باطلٌ ؛ لأنَّ في ذلك كونُهما عاجِزَين، والعاجزُ لا يستحقُّ الأُلُوهيَّة، وإن وُجِدَ مرادُ أحدِهما دونَ الآخرِ، فالذي لا يوجدُ مرادهُ يكون عاجِزاً لا يصلحُ أن يكون إلَهاً.
والمعنى : لَو كانَ فيهما آلِهةٌ غيرُ الله كما يزعمُ المشركون، هذا قولُ جميعِ النحويِّين ؛ قالوا :(إلاَّ) ليسَ ها هنا باستثناءٍ، ولكنهُ مع ما بعده صفةٌ للآلِهة في معنى (غَيْرَ). قال الزجَّاج :(فَلذَلِكَ ارْتَفَعَ مَا بَعْدَهَا عَلَى لَفْظِ الَّذِي قَبْلَهَا، قَالَ الشاعرُ : وَكُلُّ أخٍ مُفَارِقُهُ أخُوهُ لَعَمْرُو أبيكَ إلاَّ الْفَرْقَدَانِقَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴾ ؛ أي تَنْزِيهاً عمَّا يقولون عليه من الولدِ والشَّريكِ، ﴿ لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ ﴾ ؛ أي لا يُسأَلُ عن أفعالهِ وقضائه في خلقِه من إعزازٍ وإذلال، وهداية وإضلالٍ، وإسعاد وإشقاء ؛ لأنه الربُّ مالكُ الخلقِ. قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ﴾ ؛ أي يقالُ لَهم يومَ القيامةِ لِمَ فعلتُمْ كذا ؟ لأنَّهم عبيدٌ يجبُ عليهمُ امتثالُ أمرِ مَوْلاَهُمْ، واللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ليس فَوْقَهُ أحدٌ يقول لهُ لشيءٍ فَعَلَهُ لِمَ فَعَلْتَهُ.


الصفحة التالية
Icon