قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا ﴾ ؛ قال ابنُ عبَّاس وعطاءُ والضحَّاك :(يَعْنِي كَانَتَا شَيْئاً وَاحِداً مُلْتَزِقَتَيْنِ، فَفَصَلَ اللهُ بَيْنَهُمَا بالْهَوَاءِ)، قال كعبُ :(خَلَقَ اللهُ السَّمَواتِ وَالأَرْضَ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ، ثُمَّ خَلَقَ ريْحاً وَسْطَهُما، فَفَتَحُمهَا بهَا).
وقال مجاهدُ :(كَانَتِ السَّمَوَاتُ طَبَقَةً وَاحِدَةً فَفَتَقَهَا، فَجَعَلَهَا سَبْعَ سَمَوَاتٍ، وَكَانَتِ الأَرْضُونَ مُرْتَفِعَةً طَبَقَةً وَاحِدَةً فَفَتَقَهَا اللهُ تَعَالَى، فَجَعَلَهَا سَبْعَ أرْضِيْنَ)، وقال عكرمةُ :(كَانَتِ السَّمَاءُ رَتْقاً لاَ تُمْطِرُ، وَالأَرْضُ رَتْقاً لاَ تُنْبتُ، فَفَتَقَ السَّمَاءَ بالْمَطَرِ، وَالأَرْضَ بالنَّبَاتِ).
وأصلُ الرَّتْقِ السِّدُّ، ومنهُ قيلَ للمرأةِ التي فرجُها ملتحمٌ : رَتْقَاءَ. وأصلُ الفَتْقِ الفتحُ، وذلك أنَّ السمواتِ والأرضَ كانت مُستويَتين لا فَتْقَ فيهما لِخروج الزَّرْعِ ونزولِ الغيث، ففُتِقَتِ السماءُ بالمطر، والأرضُ بالنباتِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَآءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ﴾ ؛ أي أحيينا بالمطرِ والنبات كلَّ ما على الأرضِ من حيوانٍ، يعني أنه سببُ كلِّ شيء. وقال بعضُهم : يعني أنَّ كل شيءٍ حيٍّ فهو مخلوقٌ من الماءِ لقوله تعالى﴿ وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٍ مِّن مَّآءٍ ﴾[النور : ٤٥].
قال أبو العالية :(يَعْنِي النُّطْفَةَ)، فعلى هذا لا يتعلقُ هذا بما قَبْلَهُ، وهو احتجاجٌ على المشركينَ بقُدرةِ الله تعاَلى، ﴿ أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ ﴾ ؛ أي أفلا يصدِّقُون بالإلهِ الذي فَعَلَ ذلك ؛ ليعلموا أنهُ الإلهُ دونَ غيرهِ. وإنَّما قال (رَتْقاً) ولَم يقل رَتْقَيْنِ ؛ لأن الرِّتْقَ مصدرٌ. المعنى : كانتا ذوَي رَتْقٍ فجعلناهما ذوَاتَي فَتْقٍ.


الصفحة التالية
Icon