قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّآ أَرْضَعَتْ ﴾ ؛ أي يوم تَرَوْنَ تلك الزَّلْزَلَةَ تَذْهَلُ في ذلك اليومِ كلُّ مُرضعةٍ عمَّا أرْضَعَتْ ؛ أي تَنْسَى. وَقِيْلَ : تَشْتَغِلُ، وَقِيْلَ : تتركُ، يقالُ : ذهِلْتُ عن كَذا إذا تركتهُ. وَقِيْلَ : معنى الآية : يوم تَرَوْنَ الزلزلةَ تَشْتَغِلُ كلُّ مرضعةٍ عن ولدِها بغيرِ فطام، ﴿ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا ﴾، وتضعُ الحامل ما فِي بطنِها لغير تَمام. وهذا إنَّما يكون على وجهِ التَّشبيهِ، والمعنى : أنْ لو كانت ثَمَّ مرضعةٌ لذهِلَتْ عن ولدِها، وحاملٌ لوضعَتْ حَملَها.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى ﴾ ؛ أي من شِدَّةِ الفَزَعِ والخوف من عذاب الله يتحيَّرون كأنَّهم سُكارى، ﴿ وَمَا هُم بِسُكَارَى ﴾ ؛ من الشَّاب، ﴿ وَلَـاكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴾ والمعنى : ترَى الناسَ كأنَّهم سُكارى من ذهُوْلِ عقولِهم لشدَّة ما يمر بهم فيضطَربون اضطرابَ السَّكران، وسُكَارَى جمعُ سَكْرَانٍ. وقرأ أهلُ الكوفة (سُكْرِي وسُكْرَى) بغيرِ ألف. قال الفرَّاء : هُوَ وَجْهٌ جَيِّدٌ فِي الْعَرَبيَّةِ ؛ لأنَّهُ بمَنْزِلَةِ الْهَلْكَى وَالْجَرْحَى وَالْمَرْضَى).
وعن رسولِ الله ﷺ أنهُ قال :" يَقُولُ اللهُ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ لآدَمَ : يَا آدَمُ ؛ قُمْ فَبْعَثْ بَعْثَ النَّارِ. فَيَقُولُ : لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ ؛ وَمَا بَعْثُ النَّارِ ؟ فَيَقُولُ : مِنْ كُلِّ ألْفٍ تِسْعُمِائَةٍ وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ إلَى النَّارِ، وَوَاحِدٌ إلَى الْجَنَّةِ. فَعِنْدَ ذلِكَ يَشِيْبُ الصَّغِيْرُ، وَتَضَعُ الْحَامِلُ مَا فِي بَطْنِهَا، وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بسُكَارَى ".
قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ! أيُّنَا ذلِكَ الرَّجُلُ الَّذِي يَبْقَى ؟ قَالَ :" أبْشِرُوا ؛ إنِّي لأَرْجُو أنْ يَكُونَ مِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ ألْفٌ وَمِنْكُمْ وَاحِدٌ " ثُمَّ قَالَ :" إنِّي لأَرْجُو أنْ تَكُونُوا رُبُعَ أهْلِ الْجَنَّةِ " فَكَبَّرْنَا وَحَمَدْنَا، ثُمَّ قَالَ :" إنَّي لأَرْجُو أنْ تَكُونُوا ثُلُثَي أهْلِ الْجَنَّةِ " فَكَبَّرْنَا وَحَمَدْنَا، ثُمَّ قَالَ : إنِّي لأَرْْجُو أنْ تَكُونُوا ثُلُثَي أهْلِ الْجَنَّةِ، وَأهْلُ الْجَنَّةِ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ صَفّاً، ثَمَانُونَ مِنْهَا أُمَّتِي " ثُمَّ قَالَ ﷺ :" يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ ألَفاً بغَيْرِ حِسَابٍ، مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ سَبْعُونَ ألْفاً " فَقَالَ عُكَاشَةُ بْنُ مَحِيْصٍ : أُدْعُ اللهَ أنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، فَقَالَ :" أنْتَ مِنْهُمْ " فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ : يَا رَسُولَ الله أُدْعُ اللهَ أنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، فَقَالَ :" سَبَقَكَ بهَا عُكَاشَةُ " ".