قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُ وَمَا لاَ يَنفَعُهُ ﴾ ؛ أي يعبدُ مِن دون الله ما لا يضرُّهُ إن تَرَكَ عبادتَهُ، ولا ينفعهُ إن عَبَدَهُ، ﴿ ذلِكَ هُوَ الضَّلاَلُ الْبَعِيدُ ﴾ ؛ عن الحقِّ والرُّشد، ﴿ يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ ﴾ ؛ أي يدعُو ما لا نَفْعَ له أصلاً، ومِن عادة العرب أنهم يقولون لشيءٍ لا مَنْفَعَةَ فيه : لَضَرَرُهُ أكثرُ من نفعهِ، كما يقولون لشيء لا يكونُ أصلاً : هذا بعيدٌ. قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ لَبِئْسَ الْمَوْلَى ﴾ ؛ أي بئسَ الناصرُ، وقولهُ تعالى :﴿ وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ ﴾ ؛ أي بئْسَ الصاحبُ والْمُعاشِرُ، يعني الصنمَ.
واختلفُوا في اللاَّم في قوله ﴿ لَمَنْ ضَرُّهُ ﴾ : قيل معناهُ التأخير كأنه قالَ : يدعو مَن والله لَضَرُّهُ أقربُ من نفعهِ، وإنَّما قُدمَتِ اللامُ للتأكيد، ونظيرُ هذا قولُهم : عندي لَمَا غيرهُ خيرٌ منه، معناه : عندي ما لَغَيْرُهُ خيرٌ منه. وقيل ﴿ لِمَنْ ضَرُّهُ ﴾ كلامٌ مبتدأ وخبرهُ ﴿ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ ﴾، ويكون المعنى الذي هو الضلالُ البعيد يدعوهُ، فهذا حدُّ الكلامِ وما بعده كلام مستأنفٌ. وَقِيْلَ : هذه اللامُ صلةٌ ؛ أي يدعو مَن ضَرُّهُ أقربُ من نفعهِ.


الصفحة التالية
Icon