قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ حُنَفَآءَ للَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ ﴾ ؛ أي مُخلصين للهِ مستقيمين على أمرِهِ غيرَ مشركين في تلبيةٍ ولا حَجٍّ، وذلكَ أنّ أهلَ الجاهليةِ كانوا يقولون في تلبيتِهم : لبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لاَ شَرِيْكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إلاَّ شَريكاً تَملكهُ يَعْنُونَ الصَّنمَ. وانتصبَ قولهُ :﴿ حُنَفَآءَ ﴾ على الحالِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَآءِ ﴾ ؛ أي سَقَطَ من السَّماءِ، ﴿ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ ﴾ ؛ في الْهَواءِ فَتُمَزِّقُهُ، أو تذهبُ به الريحُ في موضع بعيدٍ ؛ أي مُنْحَدَرٍ فيقعُ على رأسهِ فيهلَكُ، أي كما أنَّ الذي سَقَطَ من السماءِ لا يَملك نفعاً ولا دفعَ ضُرٍّ، وكذلك الذي تَهوي به الريحُ في مكان سَحيقٍ، وكذلك المشركُ لا ينتفعُ بشيء مِن أحْمَالِهِ ولا يقدرُ على شيءٍ منها.
قرأ أهلُ المدينة (فَتَخَطَّفُهُ الطَّيْرُ) بالتشديد أي فَتَتخْطِفُهُ، فأُدْغِمَ أحدُ التَّائَين في الأُخرى، والْخَطْفُ : الأخذُ بسرعةٍ. قال ابنُ عبَّاس :(يُرِيْدُ يَخْطِفُ لَحْمَهُ)، ﴿ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ ﴾ ؛ أي تُسْقِطُهُ، ﴿ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ ﴾ ؛ أي بعيدٍ. شَبَّهَ حالَ الْمُشْرِكِ بحال هذا الْهَاوِي من السَّماء في أنه لا يَمْلِكُ حيلةً حتى يسقطَ فهو هالكٌ لا محالةَ، إما بإسْلاَب الطَّيرِ، وإما بالسُّقوطِ في المكان السَّحيقِ.


الصفحة التالية
Icon