قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى ﴾ ؛ أي لِتُجْهِدَ نفسكَ وتتعبَ، وذلك أنه لَمَّا نزلَ عليه الوحيُ اجتهدَ في العبادةِ، حتى أنه كان يُصلِّي على إحدى رجْلَيْهِ لشدَّة قيامهِ وطوله، فأمَرهُ اللهُ أن يُخَفِّفَ على نفسهِ، وذكرَ له أنهُ ما أنزلَ عليه القُرْآنَ ليتعبَ ذلك التعبَ، ولَم يُنْزِلْهُ، ﴿ إِلاَّ تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى ﴾ ؛ قال مجاهدُ :(نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ لِسَبَب مَا كَانَ يَلْقَى النَّبيُّ ﷺ مِنَ التَّعَب وَالسَّهَرِ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ).
وقال الحسنُ :(هَذا جَوَابٌ لِلْمُشْرِكِيْنَ، وَذلِكَ أنَّ أبَا جَهْلٍ وَالنَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ قَالاَ لِلنَّبيِّ ﷺ : وَإنَّكَ لَتَشْقَى، لِمَا رَأواْ مِنْ طُولِ عِبَادَتِهِ وَشِدَّةِ اجْتِهَادِهِ، فَقَالَ ﷺ :" بُعِثْتُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِيْنَ " قَالُوا : بَلْ أنْتَ شَقِيٌّ، " فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةَ ﴿ مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى ﴾ وَلَكِنْ لِتَسْعَدَ وَتَنَالَ الْكَرَامَةَ بهِ في الدُّنيا والآخرةِ).
والشَّقَاءُ في اللغة : احمرارُ ما شُقَّ على النفْسِ من التعب. قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ تَنزِيلاً مِّمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى ﴾ ؛ نُصِبَ على المصدرِ ؛ أي نَزَلْنَاهُ تَنْزِيلاً. والعُلَى : جمع العَلْيَاءِ.