قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ ياأَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ ﴾ ؛ معناهُ : يا أهلَ مكَّةَ بُيِّنَ مَثَلُ آلِهَتِكُمْ فَاسْتَمِعُوا لَهُ :﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ﴾ ؛ من الأصنامِ، ﴿ لَن يَخْلُقُواْ ﴾ ؛ أي لن يقدِرُوا أن يخلقوا، ﴿ ذُبَاباً ﴾ ؛ مع صُغْرِهِ وقِلَّتِهِ، ﴿ وَلَوِ اجْتَمَعُواْ لَهُ ﴾ ؛ العابدُ والمعبُودُ على ذلكَ، وكان لَهم ثلاثُمائة وستُّون صَنَماً حولَ الكعبةِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ﴾ ؛ قال ابنُ عبَّاس :(كَانُوا يَطْلُونَ أصْنَامَهُمْ بالزَّعْفَرَانِ وَالْعَسَلِ، فَيَأْتِي الذُّبَابُ فَيَحْمِلُهُ فَلاَ يَقْدِرُونَ أنْ يَسْتَرِدُّوهُ مِنَ الذُّبَاب). وقال السديُّ :(كَانُوا يَجْعَلُونَ لِلأَصْنَامِ طَعَاماً، فَيَقَعُ عَلَيْهِ الذُّبَابُ فَيَأْكُلُ مِنْهُ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ إنْقَاذهُ مِنْهُ) فـ ﴿ ضَعُفَ الطَّالِبُ ﴾ ؛ من الأصنامِ، ﴿ وَالْمَطْلُوبُ ﴾ ؛ هو الذبابُ. وقال الضحَّاكُ :(مَعْنَاهُ ضَعُفَ الْعَابدُ وَالْمَعْبُودُ). وَقِيْلَ : معناهُ : ضَعُفَ الذُّبابُ الطالبُ لِما يأخذهُ من الصَّنمِ، وضَعُفَ المطلوبُ يعني الصَّنَمَ. وَقِيْلَ : ضَعُفَ الطالبُ مِن هذا الصنمِ المتقرَّب إليه، والصنمِ المطلوب منه ذلك.
وَقِيْلَ : إن المشركينَ كانوا خَرَجُوا في عيدٍ لَهم بأصنامِهم، وقد زيَّنُوها باليوَاقِيتِ واللآلِئ وأنواعِ الجواهر، وطيِّبُوها بأنواع الطِّيْب وغَشَّوها بالْحُلِيِّ والْحُلَلِ، فجاء ذبابٌ فأخذ شَطْبَةً من تلك الزِّينة - أي قِطْعةً - فطارَ بها في الهواءِ، فأراهم اللهُ تعالى العبرةَ في ضَفْفِهم وضعفِ معبودهم، فلا أحدٌ مما لا يُمكنه الاستنقاذُ من الضعيفِ.


الصفحة التالية
Icon