قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾ ؛ أي مُتواضِعُون خائفون، ويقالُ : سَاكِنُونَ بالقلب والجوارح فلا يَلْتَفِتُونَ يَميناً ولا شِمالاً، كما رُوي عن النبيِّ ﷺ :" أنَّهُ رَأى رَجُلاً يَعبَثُ بلِحْيَتِهِ فِي الصَّلاَةِ، فَقَالَ ﷺ :" وَلَوْ خَشَعَ قَلْبُهُ لَخَشَعَتْ جَوَارِحُهُ " وعنه ﷺ :" أنَّهُ كَانَ إذا وَقَفَ فِي الصَّلاَةِ رَفَعَ بَصَرَهُ نَحْوَ السَّمَاءِ، فلمَّا نزلت هذه الآيةُ جعل نَظَرَهُ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ ". وحقيقة الخشوع : هو جَمْعُ الْهِمَّةِ لتدبُّر الأفعال والأذكارِ.
وعن الحسن أنه قال :(إنَّ الْخَاشِعِيْنَ هُمْ الَّذِيْنَ لاَ يَرْفَعُونَ أيْدِيَهُمْ فِي الصَّلاَةِ إلاَّ فِي التَّكْبيْرَةِ الأُوْلَى) وقال ابنِ عبَّاس :(مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ خَاشِعُونَ ﴾ أيْ أذِلاَّءُ)، وقال مجاهدُ : الْخُشُوعُ هُوَ غَضُّ الْبَصَرِ وَخَفْضُ الْجَنَاحِ). وكان الرجلُ من العلماءِ إذا قامَ إلى الصلاةِ يخافُ الرحمنَ أن يُسْنِدَ بصرَهُ إلى شيءٍ، وأن يُحَدِّثَ نفسَهُ بشيءٍ من الدُّنيا. وقال عمرُو بن دينارٍ :(لَيْسَ الْخُشُوعُ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ، وَلَكِنَّهُ السُّكُونُ وَحُسْنُ الْهَيْئَةِ فِي الصَّلاَةِ).
وقال عطاءُ :(هُوَ أنْ لاَ تَعْبَثَ بشَيْءٍ مِنْ جَسَدِكَ فِي الصَّلاَةِ)، وعن أبي ذرٍّ قال : قالَ رسولُ الله ﷺ :" إذا قَامَ أحَدُكُمْ إلَى الصَّلاَةِ فَإنَّ الرَّحْمَةَ تُوَاجِهُهُ، فَلاَ يُحَرِّكَنَّ الْحَصَى ". وَقِيْلَ : نظرَ الْحَسَنُ إلى رجلٍ يعبثُ ويقول : اللهم زوِّجني مِن الْحُور العِيْنِ، فقال لهُ الحسنُ :(بئْسَ الْخَاطِبُ أنْتَ، تَخْطُبُ وَأنْتَ تَعْبَثُ). وقال قتادةُ :(الْخُشُوعُ هُوَ وَضْعُ الْيَمِيْنِ عَلَى الشِّمَالِ فِي الصَّلاَةِ). وقال بعضُهم :(هُوَ جَمْعُ الْهِمَّةِ لَهَا وَالإعْرَاضُ عَمَّا سِوَاهَا).