قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ لاَ تَجْأَرُواْ الْيَوْمَ ﴾ ؛ وَعِيداً بهم كالاستهزاءِ مثل قولهِ﴿ لاَ تَرْكُضُواْ وَارْجِعُواْ ﴾[الأنبياء : ١٣]، قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ إِنَّكُمْ مِّنَّا لاَ تُنصَرُونَ ﴾ ؛ أي لا تُمْنَعُونَ من عذابنا. قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ ﴾ ؛ أي تُقْرَأْ عليكم في الدُّنيا، يعني الْقُرْآنَ، ﴿ فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ ﴾ ؛ أي تُوَلُّونَ مُدبرِين وتُعرِضون عن الإيْمانِ به، قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ ﴾ ؛ أي مُتَعَظِّمِينَ ببيتِ الله الكعبة. وَقِيْلَ : بحَرَمِ اللهِ أنهُ لا يظهرُ عليكم أحدٌ، فالكنايةُ تعودُ إلى الْحَرَمِ وهو كنايةٌ من غيرِ مذكورٍ، والمعنى : والمستكبرينَ في البيتِ الحرام لأمْنِهم فيهِ مع خوفِ سائرِ الناس في مواضعهم.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ سَامِراً تَهْجُرُونَ ﴾ ؛ أي سُمَّاراً تَهْجُرُونَ القُرْآنَ والنبيَّ ﷺ، والَهَجْرُ : هَجْرُ الحقِّ بالإعراضِ عنه، وقد يقالُ : هَجَرَ المريضُ إذا هَدَأ في كلامهِ. والسَّمَرُ : الحديثُ باللَّيلِ، كانوا يتحدَّثون حولَ الكعبة في أوائلِ الليل بالطَّعْنِ في النبيِّ ﷺ وفي الإسلامِ والمسلمين، وإنَّما وحَّدَ (سَامِراً) لأنه في موضعِ المصدر.
قال الحسنُ ومقاتل :(الْمَعْنَى : يَهْجُرُونَ الْقُرْآنَ وَيَرْفُضُونَهُ فَلاَ يَلْتَفِتُونَ إلَيْهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى ﴿ قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ ﴾ الآيةُ). ويجوزُ أن يكون معناهُ مِن الْهَجْرِ ؛ وهو الكلامُ القبيح، يقالُ : هَجَرَ هَجْراً ؛ إذا قالَ غيرَ الحقِّ، وهو قولُ السديِّ والكلبي وقتادةَ ومجاهدٍ، وكانوا إذا دخَلُوا البيتَ سَبُّوا النبيَّ ﷺ والقُرْآنَ. ويقالُ أيضاً في هذا المعنى : أهْجَرَ هَجْراً ؛ إذا أفْحَشَ في مَنْطِقِهِ، ومنهُ قراءةُ نافع :(تُهْجِرُونَ) أي يَفْحُشُونَ في الكلامِ، ويقولونَ الْخَنَا، وذلك أنَّهم كانوا يسبُّون النبيَّ ﷺ، والْهَجْرُ هو الْفُحْشُ مِن الكلامِ، يقال في الْمَثَلِ :(مَن كَثُرَ هَجْرُهُ وَجَبَ هَجْرُهُ).