قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ ﴾ ؛ يعني ذلك المصباحَ في بُيُوتٍ، قِيْلَ : معناهُ : تُوقَدُ في بيوتٍ وهي المساجدُ، أذِنَ اللهُ في رفعِها ؛ أي رَفْعِ بنائها كما قال تعالى﴿ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ ﴾[البقرة : ١٢٧]، ويستدلُّ مِن هذه الآيةِ أن لا يؤذنَ في رفعِ شيء من الأبنية فوقَ الحاجة غيرَ المساجد التي يُصَلِّي فيها المؤمنونَ، ويستضيءُ بنور قناديلها العابدونَ. وقال الحسنُ :(مَعْنَى قَوْلِهِ ﴿ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ ﴾ أيْ تُعَظَّمَ وَتُصَانَ عَنِ الأَنْجَاسِ وَاللَّغْوِ مِنَ الأَقْوَالِ وَالأَفْعَالِ وَعَنِ التَّكَلُّمِ بالْخَنَا).
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ﴾ ؛ وفي الحديثِ عن النبيِّ ﷺ :" جَنِّبُواْ مَسَاجِدَكُمْ صِبْيَانَكُمْ وَمَجَانِيْنَكُمْ ؛ وَبَيْعَكُمْ وَشِرَاءَكُمْ ؛ وَسَلَّ سُيُوفِكُمْ وَإقَامَةَ حُدُودِكُمْ ؛ وَجَمِّرُوهَا فِي الْجَمعِ، وَاجْعَلُواْ عَلَى أبْوَابهَا الْمَطَاهِرَ ". قال ابنُ عبَّاس :(الْمَسَاجِدُ بُيُوتُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الأَرْضِ، وَهِيَ تُضِيْءُ لأَهْلِ السَّمَاءِ كَمَا تُضِيْءُ النُّجُومُ لأَهْلِ الأَرْضِ). قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ﴾ أي ويُذْكَرُ في المساجدِ اسمُ الله تعالى وتوحيدهُ.
وقولهُ تعالى :﴿ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا ﴾ ؛ أي يُصَلِّي للهِ تعالى في تلك البيوتِ الصلاةَ المفروضةَ، ﴿ بِالْغُدُوِّ ﴾ ؛ أي صلاة الغداة، وقولهُ تعالى ﴿ وَالآصَالِ ﴾، يعني العَشِيَّاتِ، والأصِيلُ ما بين العصرِ إلى الليلِ، وسُميت الصلاةُ تَسبيحاً لاختصاصها بالتسبيحِ. وقرأ ابنُ عامر :(يُسَبَّحُ) بفتحِ الباء على ما لَم يسمَّ فاعلهُ.
ثُم فسَّرَ مَن يُصلي فقال :﴿ رِجَالٌ ﴾ ؛ كأنه قالَ : مَن يُسَبِّحُ ؟ فقيلَ : رجَالٌ ﴿ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَآءِ الزَّكَـاةِ ﴾ ؛ أي لا تشغَلُهم تجارةٌ، ولا بَيْعٌ عن طاعةِ الله، وعن إقامةِ الصَّلاة في البيوتِ، وعن إعطاءِ الزكاة.
قال الفرَّاءُ :(التِّجَارَةُ لأَهْلِ الْجَلْب، وَالْبَيْعُ مَا بَاعَهُ الرَّجُلُ عَلَى يَدَيْهِ) وَخَصَّ قَوْمٌ التِّجَارَةَ هُنَا بالشِّرَاءِ لِذِكْرِ الْمَبيْعِ بَعْدَهَا. والمعنى : لا يَمنعُهم ذلك عن حضور المساجد لإقامةِ الصلاة وإتْمَامِها، وإذا حضرَ وقتُ الزكاةِ لَم يحبسُوها عن وقتِها.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ ﴾ ؛ أي يفعلون ذلك خَوْفاً من يومٍ تَرْجِفُ فيه القلوبُ، وتدورُ حُدَقُ العيونِ حالاً بعد حالٍ من الفَزَعِ والخوفِ رجاءَ أن ﴿ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ ﴾ ؛ فِي دارِ الدُّنيا، ﴿ وَيَزِيدَهُمْ مِّن فَضْلِهِ ﴾ ؛ بغيرِ استحقاقٍ، ﴿ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ ؛ أي بغيرِ حَصْرٍ ولا نِهايةٍ.