قولهُ :﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَآءً حَتَّى إِذَا جَآءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً ﴾ ؛ معناهُ : أن أعمالَ الكُفَّارِ قد أُحبطُوا بكفرِهم، كسَرَابٍ بأرضٍ مُستوية ملساءَ، يظنُّهُ العطشانُ ماءً يرجُو به النجاةَ، حتى إذا جاءَ السرابَ ليشربَ لَم يجدْهُ ماء، بل رأى أرضاً بيضاءَ لا ماء فيها فيَئِسَ وتحيَّرَ، كذلكَ الكافرُ في عملهِ ييأسُ في الآخرة عن عمله الذي كان يعتقدهُ يبرئ، يتقطَّعُ عنه طمعهُ عند شدَّةِ حاجته إليه، ثم يجدُ عند ذلك من العقاب كما قال تعالى :﴿ وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ ﴾ ؛ أي عند عملهِ، يعني : قَدِمَ على اللهِ، ﴿ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ ﴾ ؛ أي جَازَاهُ بعملهِ. والسَّرَابُ : هو الشعاعُ الذي يتراءَى للعين وقتَ الهاجرةِ في الفَلَوَاتِ، يُرَى من بعيدٍ كأنه ماءٌ وليس بماء. والبقِيْعَةُ : جمعُ بقَاعٍ، والقِيْعَةُ جمعُ قَاعٍ، نحوُ جَارٍ وجِيرَةٍ، وهو ما انبسطَ من الأرضِ وفيه يكون السَّرابُ.
وَقِيْلَ : معناهُ : أنَّ الكافرَ يحسَبُ أن عملَهُ يُغنِي عنه وينفعهُ، فإذا أتاه الموتُ واحتاجَ إلى عملهِ لَم يجدْهُ شَيْئاً ؛ أي لا منفعةَ فيهِ ووَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ بالمرصادِ عندَ ذلك فوفَّاهُ جزاءَ عملهِ، ﴿ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ ؛ أي سريعٌ حِسَابُهُ كلَمْحِ البصرِ أو أقلَّ ؛ لأنه تَعَالَى لا يتكلمُ بآلةٍ حتى يشغلَهُ سَمعٌ عن سَمعٍ. وسُئِلَ عَلِيٌّ رضي الله عنه : كيفَ يُحَاسِبُهُمْ في حالةٍ واحدة ؟ فَقَالَ :(كَمَا رَزَقَكُمْ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ).