قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً ﴾ ؛ وذلك أن النبيَّ ﷺ لَمَّا تَحدَّاهم بالْقُرْآنِ وأمرَهم أن يأتُوا بسورةٍ من مثلهِ، فعجَزُوا عن ذلكَ ولزِمَتهم الحجةُ فجعلوا يطلبون الحجَّة بالشُّبهةِ، فقالوا : لو كانَ نبيّاً لأُنزِلَ عليه القُرْآنُ جملةً واحدةً، كما أُنزِلَتِ التوراةُ والإنجيل والزَّبورُ.
والمعنى : أن الكفارَ قالوا : هَلاَّ أُنزِلَ عليه القُرْآنُ جملةً واحدة في وقتٍ واحد، كما أنزِلت التوراةُ على موسى ؛ والإنجيلُ على عيسَى ؛ والزبورَ على داودِ، فبيَّنَ اللهُ أن ذلك ليس بشبهةٍ، فقال :﴿ كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ ﴾ ؛ أي كذلكَ أنزلناهُ إليكَ متفرِّقاً لنقوِّي به قلبَكَ، فتزدادُ به بصيرةً ويسهلُ عليك ضبطهُ وحِفظهُ، فإنَّ النبيَّ ﷺ كان يقرأُ ولا يكتبُ، بخلافِ موسى وعيسى. ويقالُ : كأنَّ الله تعالى يعلمُ أن القومَ يسألونَهُ عن أشياء ويؤْذُونه، فأنزَلَ الجوابَ عَقِبَ السُّؤالِ ليكون أحسنَ موقِعاً وأدعَى إلى الانقيادِ وأبلغَ في إلزام الحجَّة.
وقولهُ تعالى :﴿ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً ﴾ ؛ أي فرَّقناهُ تفْريقاً، فقال لو رتل إذا كان متفرِّقاً غيرَ منظومٍ، وأسنانٌ مرتَّلةٌ : اذا كانت مفلَّجَة، ومنهُ قوله﴿ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً ﴾[المزمل : ٤] أي فَرِّق الحروفَ بعضها ببعض. قال ابنُ عباس :(مَعْنَاهُ : وَبَيَّنَّاهُ تَبْييْناً)، وقال السديُّ :(فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيْلاً).