قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَـاذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَـاذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ ﴾ ؛ أي وهو الذي أرسلَ البَحْرَيْنِ في مجارَيهما، يقالُ : مَرَجْتُ الدَّابَّةَ ؛ أي أرسَلْتُها في الْمَرْجِ ترعَى.
وأرادَ بقوله ﴿ هَـاذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ ﴾ النيلُ والأنْهارُ العِظَامُ، والفراتُ ما يكون في غايَةِ العذُوبَةِ، وأرادَ بالملحِ الأُجَاجِ الذي يكون ماؤُها في غايةِ المرارة، ويقالُ : في غاية الحرارةِ، من قولِهم : أجَّجْتَ النارَ إذا وَقَدْتَها، وتأجَّجَتِ النارُ إذا توقَّدَت، ويقالُ : ماءُ مِلْحٌ ولا يقال : مالِحٌ إلاّ لِمَا يُلْقَى فيه الملحُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَّحْجُوراً ﴾ ؛ أي حَاجِزاً يَمنَعُ كلَّ واحدٍ منهما من تغييرِ الآخر، وهو ما بين العَذْب والملحِ من الأرض. ويقال : أصلُ الْمَرْجِ الْخَلْطُ، وَمِنْ ذلِكَ الْمَرْجُ ؛ لأنه يكون فيه أخلاطٌ من النباتِ، ومنهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ فِي أَمْرٍ مَّرِيجٍ ﴾[ق : ٥] أي مُختَلِطٍ بالملحِ والعَذْب في مرأى العينِ مختلِطَان، وفي قدرةِ الله منفَصِلان، لا يغيِّرُ أحدُهما طَعْمَ الآخرِ. ﴿ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً ﴾ أي حَاجِزاً من قدرةِ الله تعالى، و ﴿ حِجْراً ﴾ أي مانعاً يَمْنعُ من اختلاطِهما، وفسادِ أحدهما بالآخرِ، ومعنى قولهِ تعالى ﴿ وَحِجْراً مَّحْجُوراً ﴾ أي حَرَاماً مُحَرَّماً أن يُفْسِدَ الملحُ العذبَ.


الصفحة التالية
Icon