قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ ؛ قال المفسِّرون : هذا إنكارٌ مِن موسى أن يكونَ ما ذكَرَ فرعونُ نعمةً على موسى، واللفظُ لفظ خبَرٍ وفيه تبكيتٌ للمخاطَب على معنى : إنَّكَ لو كنتَ لَمْ تقتُلْ بنِي إسرائيل كانت أُمِّي مُسْتَغنِيةً عن قذفِي في أليَمِّ، فكأنَّكَ تَمُنُّ عليَّ بما كان بلاؤُكَ سبباً لهُ. وَقِيْلَ : معناهُ : إنَّ فرعونَ لَمَّا قالَ لِمُوسى : ألَمْ نُرَبكَ فِيْنَا وَلِيْداً ؟ قالَ لهُ موسى : تلكَ نِعْمَةٌ تعدُّها عليَّ لأنَّكَ عَبَّدْتَ بَنِي إسرائيلَ ؛ أي استعبَدْتَهم، ولو لَم تعبدْهم لكفَلَني أهلِي فلم يُلْقُونِي في اليَمِّ. يقالُ : استعبدتُ فلاناً وأعْبَدْتُهُ وَتَعَبَّدْتُهُ وَعَبَّدْتُهُ ؛ أي اتَّخَذْتُهُ عَبداً.
وَقِيْلَ : معنَى الآيةِ : أتَمُنُّ علَيَّ بذلكَ وأنتَ استعبدتَ بني إسرائيلَ، فأبطلْتَ نعمتَكَ عليَّ بإسَاءتِكَ إليهم باستعبادِكَ إيَّاهم ؟ وبأنْ أخَذْتَ أموالَهم وأنفقتَ على موسى منها ؟ وكانت أُمِّي هي التي ترَبيني، فأيُّ نعمةٍ لكَ علَيَّ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ أَنْ عَبَّدتَّ ﴾ في موضِعها وجهان ؛ أحدُهما : النصبُّ بنَزعِ الخافضِ، والثانِي : الرفعُ على البدلِ مِن (نِعْمَتِي).


الصفحة التالية
Icon