قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ قَالُواْ بَلْ وَجَدْنَآ آبَآءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ﴾ ؛ فنحنُ نَقْتَدِي بهم، ﴿ قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَّا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ ﴾ ؛ أي قال لَهم إبراهيمُ : أفَرَأيْتُمْ هذا الذي تعبدونَهُ أنتم وآباؤُكم الْمُتَقَدِّمُونَ، ﴿ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ ﴾ ؛ أي فإنَّنِي أُعادِيهم، أتبرَّأُ منهم. وقولهُ تعالى :﴿ إِلاَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ ﴾. رُوي أنَّهم كام يعبدونَ اللهَ مع الأصنامِ، فَتَبَرَّأ إبراهيمُ مِن جميعِ ما يعبدونَهُ إلاّ من عبادةِ الله. وإنَّما قال ﴿ عَدُوٌّ لِي ﴾ على التوحيدِ في موضع الجمعِ على معنى : أنَّ كلَّ واحدٍ منهم عَدُوٌّ لِي.
ويقالُ : إنَّ قولَهُ تعالى ﴿ عَدُوٌّ ﴾ في موضعِ المصدر، كأنَّهُ قالَ ذوُو عداوةٍ، فوقعت الصفةُ موقعَ المصدرِ، كما يقعُ المصدرُ موقعَ الصفةِ في رَجُلٍ عَدْلٍ، ويجوزُ أن يكونَ قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ إِلاَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ ﴾ استثناءٌ منقطعٌ، معناهُ : ولكنَّ ربَّ العالَمين الذي خَلَقَنِي ليس بعدُوٍّ لِي هو يهدينِ ؛ أي يُرشِدنِي إلى الحقِّ، وذلك أنَّهم كانوا يزعمُونَ أن أصنامَهم هي التي تَهديهم، فقالَ إبراهيمُ ردّاً عليهم :﴿ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ ﴾ ؛ إلى الدِّين والرُّشدِ لا ما تعبدون.


الصفحة التالية
Icon